للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كان الأمر متعلقاً بإخوة الدين أو النسب، وغيرها مما يتعاطف ويتراحم له البشر.

لكن صدق هذه الخُلة إنما يظهر إذا تباينت الأديان وتعارضت المصالح، لذا فقد أمر القرآن الكريم بالعدل بين البشر عموماً، وخصَّ - بمزيد تأكيده - العدل مع المخالفين الذين قد يظلمهم المرء بسبب الاختلاف والنفرة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: ٨).

يقول الدكتور نظمي لوقا: "ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: {ولا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: ٨)، فأي إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تسامياً واستقامة؟! ". (١)

وشواهد عدل المسلمين مع أهل ذمتهم كثيرة، ومنه خصومة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مع يهودي في درعه التي فقدها، ثم وجدها عند يهودي، فاحتكما إلى قاضي المسلمين شريح القاضي، فحكم بها لليهودي، فأسلم اليهودي، وقال: "أما إني أشهد أن هذه أحكام أنبياء! أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه، فيقضي لي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين، فخرجت من بعيرك الأورق". فقال علي - رضي الله عنه -: (أما إذ أسلمت فهي لك). (٢)

ومن صور العدل مع المخالفين قصة القبطي مع عمرو بن العاص والي مصر وابنه، وقد اقتص الخليفة عمر بن الخطاب للقبطي في مظلمته من أمير مصر وابنه، وقال مقولته التي أضحت بين الناس مثلاً: "يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ". (٣)


(١) محمد الرسالة والرسول (٢٦).
(٢) حلية الأولياء (٤/ ١٤١)، والبداية والنهاية (٨/ ٤ - ٥).
(٣) انظر: تاريخ عمر، ابن الجوزي (١٢٩ - ١٣٠)، وانظر فتوح مصر، لابن الحكم (١٩٥).

<<  <   >  >>