ويضيف المؤرخ جوليفيه كستلو في كتابه "قانون التاريخ" بأن "التقدم العربي بعد وفاة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كان عظيماً، جرى على أسرع ما يكون، وكان الزمان مستعداً لانتشار الإسلام، فنشأت المدنية الإسلامية نشأة باهرة، قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر أثره في الفنون والآداب والشعر والعلوم. وقبض العرب بأيديهم - خلال عدة قرون - على مشعل النور العقلي، وتمثلوا جميع المعارف البشرية .. فأصبحوا سادة الفكر، مبدعين ومخترعين، لا بالمعنى المعروف، بل بما أحرزوه من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقَّادة للغاية، وكانت المدنية العربية قصيرة العمر، إلا أنها باهرة الأثر، وليس لنا إلا إبداء الأسف على اضمحلالها". (١)
وإذا كان حال المسلمين فيما مضى كذلك، فكيف توارت الأمة المسلمة عن الشهود؟ ولم تقبع في ذيل الركب اليوم؟!
إن ما نشهده اليوم من ضعف حضاري للأمة المسلمة يرتبط بعاملين اثنين: أولهما هو بُعدُ المسلمين عن دينهم، فلئن كان تقدم أوربا مرهوناً بتخلصها من دينها المبدَّل؛ فإن نهضتنا لن تكون إلا بعودتنا إلى ديننا، فالمفارقة بين حالنا وحالهم، تنبع من الاختلاف بين خصائص أدياننا.
والعامل الثاني الذي أسهم في تردي أحوال الأمة المسلمة هو الاستعمار الغربي الذي غزا الشرق الإسلامي عقوداً من السنين، ولم يبرحها إلا وقد ترك فيها من العقد المستعصية ما تعجز عن حلها الأجيال، ليضمن بذلك استمرار تفوقه ورواج سلعه في الشعوب التي جعلها أسواقاً استهلاكية لبضائعه، فارتهن مقدراتها ليضمن تفوقه ودوام سيطرته.
وأما المظهر الثاني من المظاهر التي تزري بواقع المسلمين اليوم، فهو اختلافهم وتناحرهم بل واحتراب طوائفهم وتراميهم بالتكفير والتبديع، وهم في ذلك أيضاً قد خالفوا أمر ربهم وهو يدعوهم إلى الوحدة والاعتصام {واعتصموا بحبل الله