للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منكم، فلو أني أعلم أني أخلُص إليه لتجشمتُ لقاءه، ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدمه". (١)

إن مدعيي النبوة إنما ينتحلونها سعياً وراء الكسب الدنيوي الرخيص، سواء أكان هذا الكسب مالاً يسابقون إلى جمعه ليستمتعوا به أو ليورثوه إلى أهليهم من بعدهم، أم كان جاهاً بين الناس يرفع من قدرهم، فيشار لهم بالبنان، ويوسع لهم في المجالس ....

فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الصنف أو ذاك؟

إن نظرة سريعة على سمته - صلى الله عليه وسلم - تكشف لنا ما كان عليه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من تواضع وزهد في الدنيا جمعهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأوضح خلالهما نبل أخلاقه وطهر سلوكه، بل ودلل على نبوته ورسالته.

ومن زهده - صلى الله عليه وسلم - أنه: (ما ترك عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً؛ إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة). (٢)

وهذه الأرض هي أرض فدك التي منعها خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق من ورثته، وقال لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا نورث، ما تركنا صدقة) وأضاف الصديق: "لست تاركاً شيئاً كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ". (٣)

إن الذي تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس ميراثاً يغتنون به من بعده، بل دَيْناً يؤدونه من بعده، فقد مات - صلى الله عليه وسلم -، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير. (٤)

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحذر أن يغادر الدنيا وقد أخذ منها مغنماً، إذ تذكر زوجته عائشة رضي الله عنها أنه كان في بيتها بعضُ قطعٍ من ذهب، فقال لها رسول الله


(١) أخرجه البخاري ح (٧)، ومسلم ح (١٧٧٣).
(٢) أخرجه البخاري ح (٢٧٣٩).
(٣) أخرجه البخاري ح (٣٠٩٣)، ومسلم ح (١٧٥٧).
(٤) أخرجه أحمد ح (٢٧١٩).

<<  <   >  >>