للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن كون هذه الشريعة من الله يعطيها هيبة وسلطاناً في النفوس والضمائر لا تجده في قانون ما، فالناس منقادون إليها بسلطة الإيمان الذي يملأ قلوبهم، منقادون إليها ظاهراً وباطناً، سراً وعلانية، يرقبون في ذلك كله جزاء الله الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

وتتميز الشريعة في مسألة الجزاء عن غيرها من القوانين في أنها القانون الوحيد الذي يجازي في الدنيا والآخرة، فالمؤمن يلتزم حدودها، طمعاً في سعادة الدنيا التي يعيشها في جنبات الطاعة والفضيلة، ثم هو موعود بحسن الجزاء في الآخرة، بالجنة التي أعدها الله للأتقياء من عباده، فلأجلهما معاً يمتثل المؤمن قانون الشريعة ويلتزم به.

وللتعرف على أهمية هذه الخصيصة نذكر أن أمريكا أدركت مضار الخمر الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعزمت على تحريمه، وأصدرت تشريعاً بذلك، ثم بذلت الملايين لتنفيذ هذا القانون، وبعد سنوات من النفير في الأمن والمحاكم، وبعد سجن الألوف من المدمنين عادت أمريكا إلى إباحة الخمر، مع يقينها بما فيه من الفساد، لكنها عجزت وعجز قانونها البشري أن يجد له بين الناس قبولاً.

وفي مقابله فإن الإسلام حين حرم الخمر، لم يستعن بشرطة أو جنود أو محاكم، ولم يجد عنتاً ولا مشقة في جعل المجتمع المسلم أطهر المجتمعات الإنسانية، بابتعاده عن المسكرات بأنواعها، إن طهارة المجتمع من هذه الآفة لم يتطلب سوى آية أنزلها الله في تحريمه، وهي قوله: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة: ٩٠).

فالتزم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، بل وتساءلوا عن مصير إخوانهم ممن شرب الخمر ومات قبل تحريمها، يقول أنس بن مالك: كنتُ ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر منادياً فنادى، فقال أبو طلحة لأنس: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال أنس: فخرجتُ، فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. فقال لي: اذهب فأهرقها.

<<  <   >  >>