للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن جمع في شيء). (١)

قال الخطابي: "إنما لم يجمع - صلى الله عليه وسلم - القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته؛ ألهمَ الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر". (٢)

وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأت حروب المرتدين، وكان أشدها معركة اليمامة التي قتل فيها قرابة الألف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبينهم كثير من القراء.

فجاء عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق، يقترح جمع القرآن في مصحف واحد، خشية ضياعه بوفاة المزيد من القراء، ووافق الخليفة على المقترح، وانتدب لجنة لذلك العمل العظيم برئاسة كاتب الوحي وحافظه الشاب زيد بن ثابت، الذي يروي لنا الخبر بتمامه فيقول: (أرسل إلي أبو بكر مقتلَ أهل اليمامة وعنده عمر، فقال: أبو بكر إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر.

فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبع القرآن فاجمعه.

قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي؟ فقال أبو بكر: هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر


(١) أخرجه الدير عاقولي بإسناده إلى زيد بن حارثة في فوائده، كما نقل السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٦٤).
(٢) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي (١/ ١٦٤).

<<  <   >  >>