للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى ما يسمى بالمذاهب المادية الإلحادية هي في حقيقتها لا تنكر وجود هذه القوة الإلهية التي نسجت الكون وفق قوانين محكمة، بيد أنها هربت من الاسم الذي تدعيه الكنيسة لهذه القوة العظيمة (الله)، ونسبتها إلى تسمية مبتدعة تفتقر إلى الوضوح (الطبيعة وقوانينها)، فاسم الطبيعة لا يدل على شيء محدد، إذ لا يمكن أن يفهم منه أن الإنسان الأول خلق نفسه وهو أحد مكونات الطبيعة، ولا أن ما نراه من بحار زاخرة قد أبدعت نفسها في زمن ما، بينما عمدت الطيور والحيوانات إلى إنتاج الأجناس الحيوانية الأولى، بل وحتى المخلوقات الأبسط كالبكتيريا لا تستطيع أن تهب نفسها وقود الحياة الذي يدبُّ فيها.

إن أحداً لا يخالف في أن هذا الكون من خلق وإبداع خالق عظيم حكيم، هو ربنا {الأعلى - الذي خلق فسوى - والذي قدر فهدى} (الأعلى: ١ - ٣)، ولو صدقوا في تسميته لأسموه خالق الطبيعة ومدبر شؤونها {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون - أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون - أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} (الطور: ٣٥ - ٣٧).

ولما سمع الصحابي جبير بن مطعم هذه الآية قال: (كاد قلبي أن يطير). (١)

إن الإلحاد المتمثل في إنكار الخالق شذوذ يستبشعه العقل البشري وتأباه الفطرة السوية، فما الإنسان بخالق نفسه، وإذا كان الإنسان الذي يتميز عن كل الموجودات بما يمتاز به من العقل والإرادة والتسخير عاجزاً عن خلق نفسه؛ فغيره من المخلوقات أعجز، لذا فلا مناص من التسليم بوجود الإله العظيم، ففي كل زاوية من زوايا الكون آية تدل على وجوده، لا بل تشهد له بالكمال والجلال والعظمة.

وأهم ما توافق الأنبياء على الدعوة إليه؛ وحدانية الله وإفراده بالعباده دون سواه، فهو جوهر رسالاتهم جميعاً {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: ٢٥).


(١) أخرجه البخاري ح (٤٨٥٤).

<<  <   >  >>