للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو انزجر هؤلاء المعتدون بغير القتال لأراحوا الأرض من عناء الحروب وويلاتها {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} (النساء:٩٠).

وحين أعلن المشركون الحرب الشاملة على المسلمين؛ قابلهم الإسلام بمثلها، فأمر الله في القرآن بالتوحد لقتالهم: {وقاتلوا المشركين كافةً كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مع المتقين} (التوبة: ٣٦).

وهكذا فإن القتال في الإسلام فرض وفق أسباب شرعية ومبررات واقعية.

إن الحرب ليست أمراً محبباً إلى النفوس، لكنها - على كل حال - مبضع الجراح الذي لا غناء عنه إذا أردنا صحة الجسم العليل {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: ٢١٦).

والنبي - صلى الله عليه وسلم - يوجه أصحابه إلى دعاء الله والالتجاء إليه لصرف العدو وقطع شره من غير قتال: ((يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا)). (١) وقد امتن الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - حين صرف عن المدينة الأحزاب من غير أن يقع بينهم قتل وقتال {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} (الأحزاب: ٢٥).

إن غاية الحرب في الإسلام ليست الاستعلاء في الدنيا والتسلط على الآخرين، فمن كان همه الدنيا وزخارفها خسر الآخرة وكرامتها {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} (القصص: ٨٣).

ولما جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن غايات الجهاد المشروع الذي شرعه الله، ويقول: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، ويقاتل ليُرى مكانه،


(١) أخرجه البخاري ح (٣٠٢٤)، ومسلم ح (١٧٤٢).

<<  <   >  >>