أما من رزقه الله العلم بالكتاب والسنة مع حسن خلق ولين ورفق، وحكمة وصبر، فهذا يجب عليه أن يخرج إلى الساحة، ويذكّر العباد برب العباد، وينصح ويوجه ويقيم حجة الله على خلقه، وهو بأفضل المنازل، فالإسلام كيف تبلغ شريعته وتقام حجته، وتنصَبُ راياته وتبيّن معالمه إذا أصبح علماؤه وطلاب علمه عاكفين في المساجد وفي الخلوات يقرؤون ويتعبدون؟ .. الإسلام دين كفاح، دين جهاد ودعوة وإصلاح ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:١١٠] ، والسبب هل تصلون وتصومون فقط؟ لا.. بل ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:١١٠] وإذا تقاعس العلماء وطلاب العلم عن الدعوة والجهاد في سبيل الله وإصلاح العباد وتقريبهم من ربهم، من الذي ينذر ويبشر ببشارة الله، ويقيم حجة الله على عباد الله. ولله در القاضي عبد الوهاب رحمه الله في أبياته اللطيفة:
متى تصل العطاشُ إلى ارتواءٍ ... إذا استقتْ البحارُ من الركايا
ومن يثني الأصاغرَ عن مرادٍ ... وقد جلسَ الأكابرُ في الزوايا
وإنّ ترفُّعَ الوضعاءِ يوماً ... على الرُّفعاء من إحدى البلايا (١)[١١٨] )
(١) ١١٨] ) الذخيرة لابن بسام، ووفيات الأعيان لابن خلكان (١/٣٠٤) نقلاً عن قواعد في التعامل مع العلماء، للشيخ عبد الرحمن اللويحق (ص:٩٥) ، وأوردها في الديباج المذهب (ص:١٦٠) .