حمداً لله، وصلاةً وسلاماً دائمين على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وترسم خطاه إلى يوم نلقاه ... وبعد:
لا غرابة اليوم في كثرة المتحدثين عن آداب الطلب وطالب العلم، ولا غضاضة في كثرة ما تقذفه لنا المطابع من مؤلفات في هذا الموضوع.
ففي ظلال هذه الصحوة المباركة، راجت بضاعة العلم الشرعي بعد كسادها، وتلهفت على طلبه نفوس بعد خمولها، ولم نزل نرى -ولله الحمد- إقبالاً متزايداً من شباب الأمة وكهولها عليه.
وكثرة الكتب والأشرطة فيه ظاهرة صحية -كما يقولون-، وكثرة اختلاف وجهات نظر المتحدثين حول قضاياه من اختلاف التنوع المحمود.
بَيْدَ أن الحديث عن العلم وآدابه يحلو ويزدان، ويَلَذّ سماعه حينما يكون من أهله الذين بذلوا كليتهم له، وحينما تسمعه من عالم رباني يسّر الله له الأخذ بمجامع القلوب، ألا وهو الشيخ محمد بن الشيخ محمد المختار.
وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ... ولا الصَّبَابة إلا من يُعانيها
ولما كان الشيخ محمد كثيراً ما يتناول آداب الطلب وطالب العلم ما أتت له مناسبة، أو عند استهلال واستئناف دروسه، وتأتي توجيهاته ووصاياه مسددةً موفقة تَطْرَبُ لها الأسماع، أدركت أهمية ما يرمي إليه من توجيهات ومعالم وآداب يتربى عليها طلاب العلم، تهذب أخلاقهم، وتنفي زغل العلم عن طباعهم.
فخطر ببالي أن لو جُمِعَتْ هذه التوجيهات والمعالم المتناثرة من ثنايا أشرطة الدروس والمحاضرات، لانتظمت منها قطعة أدبية بليغة، وموعظة روحانية رقيقة، فعرضت الأمر على الشيخ عام (١٤١٤هـ) ، فدعا وبرّك، فكانت الخطوات التالية:
أولاً: فرغت من الأشرطة جميع المحاضرات التي خصصها الشيخ للحديث عن آداب طلب العلم وقضاياه، وعدتها ثمان محاضرات أُلقيت في سنوات متفاوتة، وأماكن متفرقة.