للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمارات هذا الإخلاص ودلائله وعلاماته المشهورة أن تجد نفسك زاهداً في الدنيا، كثير الطمع في الآخرة، فلا تبحث عن سمعة، ولا تبحث عن رياء، ولا تلتمس رضوان أحد غير الله جل جلاله، تصبر وتكافح وتجاهد في طلب العلم، لا تنثني لك عزيمة، ولا تنكسر لك شوكة، ولا تصرف وجهك عن الوجهة التي علمت فيها رضوان الله العظيم حتى تبلغ غايتك التي تريدها وتنشدها، وهذا هو النَّهَمُ الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) (١) [٣٥] ) ، فطالب العلم المخلص لوجه الله لا يضعف، ولا يكلّ، ولا يسأم من طلب العلم؛ لأنه يعلم ما وراء هذا التعب والنصب من رضوان الله العظيم، ويعلم أن في نصبه وكدحه محبة الله والدرجات العلى عند الله سبحانه وتعالى.

انتبه لنيتك، وتفقد سريرتك: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) [الرعد:١١] .

وأبشر بالتوفيق إذا وطنت نفسك على الإخلاص: ((إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:٧٠] .

المَعْلَمْ الثالث: الإقبال على العلم بكليته

أن نفتح لهذا العلم أسماعنا وقلوبنا، وأن نحس أن هذه الآذان تتشرف وتُكرم بسماع كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أن ينطلق طالب العلم وقلبه يشتعل شوقاً لمجالس العلم، فينفتح قلبه وقالبه لماء الوحي، حتى إذا نزل ذلك الماء على القلب، كان كالغيث الطيب في الأرض الطيبة، وما من طالب علم يقبل بكليته على العلم بهذه الكيفية إلا نفعه الله به، ولذلك كانت أول وصية من الله عز وجل لنبي الله موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: ((وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)) [طه:١٣] .


(١) ٣٥] ) ورد موقوفاً وورد مرفوعاً عند الإمام أحمد في المسند، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.

<<  <   >  >>