الاجتهاد الذي هو سلاح النوازل، والذي هو حلّ المشكلات والمعضلات، ولذلك قالوا: أبلغ العلم الاجتهاد، وكم من أئمة من السلف -رحمة الله عليهم- ما أفتوا حتى شابت رؤوسهم، وقلّ أن يوجد غيرهم فحينئذٍ تعينت عليهم الفتوى فأقدموا، لذلك لا يجوز أن يفتي في مسألة اجتهادية لا يعلمها، واعتبره العلماء من كبائر الذنوب:((وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [البقرة:١٦٩] ، فالقول على الله بدون بيّنة أو حجة أو سلطان هلاك، قال الله تعالى يخاطب نبيّه:((قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي)) [الأنعام:٥٧] ، قالوا:(مِنْ رَبِّي) هي الحجة والدليل من الكتاب والسنة، فلا يجوز لأحد أن يجتهد وهو لم يبلغ درجة الاجتهاد، فمشاكل المسلمين العامة التي يتعلق بها مصير الأمة، لا يجوز أن تقول: حكمها كذا، هذه لها أهلها ومجامعها، إنها مشكلات والله لو عرضت على أئمة علماء من السلف لرعدت فرائصهم من خشية الله أن يتكلموا فيها؛ لأنها تحتاج إلى دراسة واستبيان واستقراء لدليل الكتاب والسنة، حتى يُفتي فيها.
فالتعجل في الفتوى دون علم آفة عظيمة، ولا يجوز لأحد أن يفتي فيما لا علم له، قال تعالى:((قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)) [ص:٨٦] ، قالوا: من التكلف الإفتاء فيما لا علم للإنسان به.
المَعْلَمَ السابع: معرفة حال المستفتي
فينبغي على المفتي أن يكون على علم بالناس وأحوالهم، فمنهم المخادع، ومنهم الكذاب، ومنهم المغرض، ومنهم المفسد، فعليه أن يعرف أقدار الناس، وهذا يرجع إلى أصل السنة: من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الرجل فيسأله عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، فيقول:(إيمان بالله) ، ثم يسأله الثاني عن أحب الأعمال، فيقول:(الصلاة على وقتها) ، ويسأله ثالث فيقول:(الجهاد في سبيل الله) ، (حج مبرور) ، قالوا: اختلف جوابه بحسب اختلاف أحوال السائلين.