ولازم هذا أن لكل مقام عظيم، وكل منصب جليل كريم يحتاج صاحبه لبلوغه أن يدفع الثمن، وأن يبذل المقابل والعوض، وكون الإنسان متحملاً لأمانة الفتوى يستوجب عليه ذلك أن يكون على صفات وأخلاق وآداب تليق بمثله أن يُبلِّغ عن الله عز وجل شريعته، وأن يبين حكمه، ولذلك تكلم العلماء عن آداب المفتي وشروطه، وأهليته، وما ينبغي أن يراعيه، فنسأل الله العظيم أن يشرفنا وإياكم بهذا المقام العظيم، وأن يرزقنا فيه الإخلاص.
لهذا المقام (معالم) وأمور يوصَى بها طالب العلم:
المَعْلَمَ الأول: إخلاص النية لله
فأول ما يجب عليه في خاصة نفسه وأهمها وأعظمها: إخلاص النية لله جل وعلا، فإياك أن تُسأل عن مسألة أو تُسأل عن حكم شرعي وتريد أن تجيب فيه أو تتكلم فيه أو تبينه للناس إلا وأنت مخلص لوجه الله جل وعلا.
أن تبين حكم الله لعباد الله وأنت ترجو ما عند الله جل وعلا، وبالإخلاص يكون التوفيق وتيسير الفتوى ونور التقوى، الذي هو فرقان بين الحق والباطل:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)) [الأنفال:٢٩] ، وعماد التقوى ولبّها وروحها وأساسها إخلاص النية لله جل وعلا.
ومن تكلم في المسائل، وحل المعضلات والمشاكل، وهو يرجو ما عند الله، فتح الله عليه في كلامه، وألهمه البصيرة في شريعته ونظامه، وكان موفقاً مسدداً ملهماً، ولا يزال المخلص يجد من الله معونة وكفاية للمئونة.
فبالإخلاص يعظم أجر البلوى، فإن الكلمة التي تخرج لوجه الله تصعد إلى الله وعليها نور.
لما أخبر الله تعالى أنه:((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) [فاطر:١٠] ، فكل مسألة في الدين تكلمت فيها وأنت ترجو رحمة الله رب العالمين، تؤجر عليها، على حروفها، على كلماتها، على الخير الذي يكون بها.