ب-مما لسمته منه -رحمة الله عليه-: كثرة العبادة الخفية، كان يجلس مع الناس ولا تظهر عليه كثرة العبادة، ولكن ما إن يخلو في جوف الليل حتى أسمع نشيجه وبكاؤه من غرفته -رحمة الله عليه-، وكان كثير قيام الليل، حتى أني أذكر أن بعض المشايخ في بعض المحاضرات استبعد أن يختم الشخص القرآن في ليلة، وجرى بينه وبينه كلام، وقلت: إن ذلك ممكن، خاصة في ليالي الشتاء، وإن كان -طبعاً- خلاف السنة كما تعلمون، أن لا يُختم في أقل من ثلاث.
فذكرت ذلك للوالد، فقال: ليس ببعيد، بل هو سهل جداً وبسيط، فلم أزل معه وكأني مع المحاضر أشكك في ذلك حتى قال لي: يا بني.. الحمد لله مرّت عليّ في بداية الطلب سنوات أستفتح بعد العشاء بالقرآن ولا يأتي السحر إلا وأنا في آخر القرآن. رحمة الله عليه.
ج-ومما عرف به: الورع والحرص على أكل الحلال. يقول لي العم: محل اتفاق عندنا أنه ما كان عنده صبوة إلى الحرام.
د-وكان أهم شيء عنده: الوقت، منذ بداية الطلب، يذكر لي أحد كبار السن عن خال له من أقرباء الشيخ الذي ارتحل الوالد لأخذ العلم عنه، يقول: وكان لا يخالط الطلاب إلا إذا كانت هناك فائدة، ولا يأنس بكل أحد -رحمة الله عليه-، وأنا لا أذكر أنه دخل المنزل وكان الوقت وقد صلاة وجلس دون أن يبدأ بالصلاة، حتى في مرض موته، كان يصلي جالساً ما كتب الله له، ثم ينقلب على فراشه.
وله مكتبة فيها ما لا يقل عن أربعة آلاف كتاب، ما فيها كتاب إلا وقرأه من جلدته إلى جلدته.
هـ- ووجدت فيه خصلة، أنه لا يمكن أن يتكلم في شيء يجهله، ولو كان من أوضح الواضحات، وكان يستشهد بقول الله تعالى:((قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)) [ص:٨٦] ، وإذا أعطاك المسالة يعطيك إياها عن تحرير، وهذا من أجلِّ نعم الله على طالب العلم: أن يرزقه الله عدم تكلف شيء لا يعرفه، وهو دليل على أمانته ووقوفه عند حدود الله.