للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق) وذلك أن الكتاب الأول مصدق للقرآن، فمن نظر فيما بأيدي أهل الكتاب من التوراة والإنجيل، علم علماً يقيناً لا يحتمل النقيض أن هذا وهذا جاء من مشكاة واحدة، لا سيما في باب التوحيد والأسماء والصفات، فإن التوراة مطابقة للقرآن موافقة له موافقة لا ريب فيها.

وهذا مما يبين أن ما في التوراة من ذلك، ليس هو من المبدل الذي أنكره عليهم القرآن، بل هو من الحق الذي صدقهم عليه. ولهذا لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ينكرون ما في التوراة من الصفات، ولا يجعلون ذلك مما بدّله اليهود، ولا يعيبونهم بذلك ويقولون هذا تشبيه وتجسيم، كما يعيبهم بذلك كثير من النفاة، ويقولون: إن هذا مما حرّفوه، بل كان الرسول إذا ذكروا له شيئاً من ذلك صدّقهم عليه، كما صدقهم في خبر الحبر، كما هو في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود، وفي غير ذلك. ثم قال: (وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً) ، فقرر أن ما أخبر الله به فهو صدق، وما أمر به فهو عدل.

وهذا يقرر أن ما في النصوص من الخبر فهو صدق علينا أن نصدّق به، لا نعرض عنه ولا نعارضه، ومن دفعه لم يصدق به، وإن قال: أنا أصدق الرسول تصديقاً مجملاً، فإن نفس الخبر الذي أخبر به الرسول، وعارضه هو بعقله ودفعه، لم يصدق به تصديقاً مفصلاً، ولو صدق الرجل الرسول تصديقاً مجملاً، ولم يصدقه تصديقاً مفصلاً، فيما علم أنه أخبر به، لم يكن مؤمناً له، ولو أقر بلفظه مع إعراضه عن معناه الذي بينه الرسول، أو صرفه إلى معانٍ لا يدل عليها مجرى الخطاب بفنون التحريف، بل لم يُردها الرسول، فهذا ليس بتصديق في الحقيقة، بل هو إلى التكذيب أقرب.

الوجه التاسع والعشرون: وهو أن يقال: إن الله ذمّ أهل الكتاب على كتمان ما أنزل الله، وعلى الكذب فيه، وعلى تحريفه، وعلى عدم فهمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>