آمنوا بلفظه، وقال تعالى:(وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) . وهذا نص صريح في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردود إلى الله وحده، وهو الحاكم فيه على لسان رسوله فلو قدم حكم العقل على حكمه لم يكن هو الحاكم بوحيه وكتابه وقال تعالى:(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) فأمر باتباع الوحي المنزل وحده ونهى عن اتباع ما خالفه وأخبر سبحانه أن كتابه بينة وشفاء وهدى ورحمة ونور وفضل وبرهان وحجة وبيان، فلو كان للعقل ما يعارضه ويجب تقديمه على القرآن لم يكن فيه شيء من ذلك، بل كانت هذه الصفات للعقل دونه وكان عنها بمعزل فكيف يشفي ويهدي ويبين ويفصل ما يعارضه صريح العقل؟
الوجه الخمسون: أن الأدلة السمعية هي الكتاب والسنة، والإجماع. وهو إنما يصار إليه عند تعذر الوصول إليهما، فهو في المرتبة الأخيرة، ولهذا أخره عمر في كتابه إلى أبي موسى حيث كتب إليه:((اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في السنة فبما قضى به الصالحون قبلك)) (١) . وهذا السلوك هو كان سلوك الصحابة والتابعين، ومن درج على آثارهم الأئمة. أول ما يطلبون النازلة من القرآن، فإن أصابوا حكمها فيه لم يعدوه إلى غيره، وإن لم يصيبوها فيه طلبوها من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أصابوها لم يعدوها إلى غيرها، وإن لم يصيبوها طلبوها من اتفاق العلماء، وقد صان الله الأمة أن تجمع على خطأ أو على ما يعلم بطلانه بصريح العقل، فإذا كان الإجماع معصوماً أن ينعقد على ما يخالف العقل الصريح، بل إذا وجدنا معقولاً يخالفه الإجماع علمنا قطعاً أنه معقول فاسد، فلأن يصان كتاب الله، وسنة رسوله عن مخالفة العقل الصريح أولى وأحرى.