للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: ما قدَّمناه من الأدلة على وجوب الفاتحة على المأموم وإن جهر إمامُه. فإذا كان الصحابة عالمين بأنَّ الفاتحة واجبة عليهم، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أنهم لا يَدَعونها، ثم سمعوه يسألهم ذلك السؤال ويتعجَّب ذلك التعجُّب؛ فإنهم يفهمون أنه لا يريد الفاتحة، وإنما يريد قراءة لم يكونوا مأمورين بها.

فإن قيل: قد يجوز أن يكون قد سبق قبل هذه الواقعة نصٌّ يخصِّص الأدلة العامة وينسخ الخاصة.

قلت: مجرَّد احتمال؛ مع أنَّ من النصوص الخاصة قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} كما تقدَّم، والقرآن لا يُنسخ بخبر الواحد الصريح؛ فضلًا عن مجرَّد الاحتمال. لعلك لا تسلم دلالة الآية فلا حرج، ولكن عموم الأدلة العامة لا تستطيع إنكاره، وتخصيص تلك الأدلة المتضافرة بمجرَّد هذا الاحتمال لا يسوغ.

فإن قلت: لكن هذا الاحتمال يؤيده إطلاق اللفظ.

قلت: إنما يلزمنا التشدُّد في المحافظة على ظاهر اللفظ إذا كان من القواعد التشريعية العامة؛ كقوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وقوله: "كل صلاة لا يُقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج"، ونحو ذلك. فأما ما كان محاورة مع المخاطبين مثل هذا السؤال فلا.

وكلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كله حقٌ؛ ولكن النصوص التشريعية العامة يُحتاط لها ما لا يُحتاط للمحاورات الخاصة. [ص ٦٩] فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يعتمد في هذه على القرائن التي يعلمها المخاطب، وإن لم يكن في ظاهر اللفظ دلالةٌ عليها.

<<  <   >  >>