للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصواتهم؛ فنزلت هذه الآية. وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه. والعرب تسمِّي تارك الجهر "منصتًا"، وإن كان يقرأ في نفسه إذا لم يُسمِع أحدًا". (ملحق الجلد الأول ص ٢٩٣).

وعليه فآية الإنصات إنما منعت من رفع الصوت؛ سواء أكان بقراءة، أم بذكر، أم بدعاء، أم بكلام الناس بعضهم بعضًا. وآية القنوت منعت من كلام الناس بعضهم بعضًا مطلقًا ولم تتعرض للقراءة والذكر والدعاء.

فالمراد بالإنصات في الآية الإسرار؛ بدليل قوله بعدُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} الآية.

قال ابن جرير (١): "يقول تعالى ذكره: واذكرْ أيها المستمع المنصت للقرآن ــ إذا قريء في صلاة أو خطبة ــ ربَّك في نفسك ... {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} يقول: ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهار، يقول: ليكنْ ذكر الله عند استماعك القرآن في دعاء إن دعوت غير جهار؛ ولكن في خفاء من القول".

وفي "روح المعاني" (٢): "ويُشعر كلام ابن زيد أنَّ المراد بالجهر مقابل الذكر في النفس، والآية عنده خطاب للمأموم المأمور بالإنصات؛ أي: اذكر ربك أيها المنصت في نفسك، ولا تجهر بالذكر".

أقول: وفي "الصحيحين" (٣) عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -


(١) (١٠/ ٦٦٧، ٦٦٨).
(٢) (٩/ ١٥٤).
(٣) البخاري (٧٤٤) ومسلم (٥٩٨).

<<  <   >  >>