للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبمثل هذا تُنْطَح جبال الأدلة، وتُرْجَم أركانُ الملَّة؟ هيهات، هيهات!

ونقل الحازمي في "الاعتبار" (١) عن الحميدي كلامًا ذكر فيه أنَّ حديث ابن أكيمة عن أبي هريرة ــ يعني على فرض صحَّته ــ منسوخ بحديث عبادة؛ لأنَّ فتوى أبي هريرة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بوجوب القراءة خلف الإمام ولو جهر دليلٌ على تقدُّم حديثه على حديث عبادة.

أقول: ويؤيده عمل عبادة، وفتواه طبق حديثه، وكذا جمهور الصحابة رضي الله عنهم كما تقدَّم.

وقد زعم الشارح أنه يبعد أن يكون حديث عبادة متأخرًا؛ لأنَّ فيه أنهم كانوا يقرؤون الفاتحة وغيرها هذًّا؛ فكيف يُظنُّ بهم أن يفعلوا ذلك بعد حديث ابن أكيمة.

والجواب: بأنَّهم قد بَقُوا يقرؤون الفاتحة ويأمرون بها ولو في الجهرية بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنهم أبو هريرة نفسه. فإذا وقع ذلك منهم بالفعل، وأنت تجوِّز أن يكون حديث ابن أكيمة متأخرًا مطلقًا لم يُنسخ؛ فكيف تستبعد أن يقع من بعضهم مثل ذلك؟

ومع هذا فالأولى ما قدَّمناه، ويظهر منه أنَّ حديث عبادة متقدِّم؛ فلما سمعوه انتهوا عن قراءة غير الفاتحة وحافظوا على الفاتحة؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث عبادة: "لا تفعلوا ــ أي لا تقرؤوا فيما جهرت به ــ إلَاّ بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، ثم في واقعة حديث ابن أكيمة قرأوا كلهم الفاتحة، وزاد أحدهم فقرأ غيرها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السورةَ التي قرأها بعدها؛


(١) (ص ٧٣ - ٧٥).

<<  <   >  >>