للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: "فلا تفعلوا، وأنا أقول: مالي أُنازَع القرآنَ، فلا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرتُ؛ إلَاّ بأمِّ القرآن". فقيَّد النهي بما إذا جهر؛ فتُحْمَل عليه تلك الأحاديث المطلقة.

فإن قيل: حديث عبادة وإن كان مقيَّدًا بما إذا جهر فهو من حيث المعنى يدلُّ أنَّ مثل ذلك ما إذا أسرَّ؛ لأنه علَّل بالمنازعة، واستثنى الفاتحة؛ معلِّلًا بأنها فرضٌ؛ كأنه يقول: تُغتفر المنازعة بالفاتحة لأنها فرض. وقد ثبت بحديث عمران أنَّ المنازعة تكون في السريِّة أيضًا، والزيادة في السرِّية ليست فرضًا على المأموم اتفاقًا؛ فيفهم من هذا المنعُ منها.

قلت: لا نسلِّم أنَّ المنازعة تكون في السرية، وإنما تلك المخالجة، وهي أخفُّ من المنازعة. وحديث عمران دليل لنا.

سلَّمنا أنهما واحد، ولكن لا نسلِّم أنَّ المنازعة كانت تحصل بمطلق القراءة خلفه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما كانت تحصل بقراءة نفس السورة التي يقرأها بعد الفاتحة. وحديث عمران واضحٌ في ذلك؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استدلَّ بالمخالجة على أنَّ بعض المقتدين به قرأ بسورة سبِّح اسم ربِّك الأعلى. ولو كانت المخالجة تحصل بالقراءة مطلقًا لما دلته المخالجة إلَاّ على قراءة بعضهم فقط.

ويوضِّح هذا قوله: "خالجنيها"؛ فإنه ظاهر في أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأها، وذلك الرجل يقرؤها معه؛ فتخالجاها.

[ص ٩٢] وهكذا قوله في حديث ابن أُكيمة: "هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا".

<<  <   >  >>