للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان رجل له مال كثير، وكان لا يقدر أحد على أن يأتي عليه في أمر؛ لشدة حزمه، وكان يقول لمن عليه أمر: ضيعت الحزم، فاتفق جماعة على أن يفعلوا معه أمراً يقولون له بسببه: ضيعت الحزم، فأتوا داره ليلاً، وأخذوا خادمه وربطوها، وقالوا لها: إن لم تصيحي على سيدك، وتقولي له: أصابني وجع، وأنا أجد الموت فاخرج لي، وإلا قتلناك، ففعلت الخادم وجعلت تصيح به، فقالت له زوجته: اخرج إليها، وانظر ما دهاها، فقال: لا أفعل، فقالت: دعني أنا أخرج إليها، قال: لا يفتح بابي بالليل، قالت: فدعني أناولها معجوناً من تحت الباب، قال: افعلي، فأخرجت يدها من تحت الباب بالمعجون، فقبضوا على يدها، وأوثقوها بشريط، فاستغاثت بزوجها، فقال لها: ألم أقل لك: ضيعت الحزم، فقالوا له: إن لم تعطنا كذا وكذا، وإلا قطعنا يدها، فقال لهم: إن أعطيتكم ما طلبتم وزيادة، والله أنكم تطلقونها؟ قالوا: نعم، قال: فاذهبوا إلى الموضع الفلاني فاحفروا، فذهب بعضهم وحفر، فوجد إناء فيه ألف دينار كما طبعت، فأخذوها، وأطلقوا يد المرأة، واقتسموا الدنانير وانصرفوا، وكان هو قد صنع تلك الدنانير مدلسة، وأعدها لمثل ما جرى له، فلما أصبح الصباح انتظروه يعلم الناس بما جرى له، فيقولون له: ضيعت الحزم، فلم يعلم أحد بذلك، ثم ذهبوا، وتصرفوا في تلك الدراهم، واشتروا بها أسباباً وحوائج، ووقع الناس على دلسها، فرفعوا إلى الحاكم، ودخلت ديارهم، فوجدوا باقي الدراهم بها، فضربوا وطوفوا فلقيهم، وقال لهم: ضيعتم الحزم، فلا حملتم الميلق معكم؟ فعلموا أنه لا يقدر ليه أحد؛ لشدة حزمه.

<<  <   >  >>