للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو الربيع البغدادي: كان في جوار أبي عمر القاضي رجل ظهر في يده مال جليل بعد فقر طويل، قال: فسألته عن أمره، فقال: ورثت مالاً جليلاً، فأسرعت في إتلافه، حتى أفضيت إلى بيع أثاث داري، ولم يبق لي حيلة، وبقيت لا قوت عندي إلا من غزل أم أولادي، فتمنيت الموت، فرأيت ليلة من الليالي كأن قائلاً يقول لي: غناؤك بمصر فاخرج إليه، فبكرت إلى أبي عمر القاضي وتوسلت إليه بالجواب في كتب إلى مصر ففعل وخرجت، فلما وصلت مصر، ودفعت الكتب وسألت التعريف، فسد الله علي الوجوه، ونفدت نفقتي، وبقيت متحيراً، وتفكرت في أن أسأل الناس بين العشاءين، فخرجت أمشي في الطريق، ونفسي تأبى المسألة، إلى أن مضى من الليل كثير، فلقيني الطائف، فقبض علي، ووجدني غريباً، فأنكر حالي وسألني فقلت: رجل ضعيف، فلم يصدقني، وضربني بمقارع فصحت وقلت: أنا أصدقك، فقالت: هات، فقصصت عليه القصة من أولها إلى آخرها وحديث المنام، فقال لي: أنت أحمق، والله، لقد رأيت منذ كذا وكذا سنة في النوم قائلاً لي: ببغداد في الشارع الفلاني، في المحلة الفلانية مال، فذكر شارعي ومحلتي، ثم قال: دار يقال لها دار فلان، فذكر داري واسمي، وفيها بستان فيه سدرة، تحتها مدفون ثلاثون ألف دينار، فامض فخذها، فما فكرت في هذا الحديث ولا التفت إليه، قال: فقوي قلبي بذلك الحديث، فأطلق عني، فخرجت من مصر إلى بغداد، وقلعت السدرة، فوجدت تحتها ثلاثين ألف دينار، فأنا أعيش فيها.

وقال أبو المثنى: كنت أمشي يوماً بين يدي رجل على رأسه قفص زجاج وهو مضطرب المشي، فما زلت أرتقب وقوعه، فزلق وتكسر القفص، وتلف جميع ما فيه، فبهت الرجل وأخذ يبكي، ويقول: هذا والله، جميع بضاعتي، ووالله، لقد أصابتني بمكة مصيبة أخرى، وما دخل على قلبي مثل هذا، فاجتمع حوله جماعة يرثون لحاله، فقالوا: ما الذي أصابك بمكة؟ قال: دخلت قبة زمزم، وتجردت للاغتسال، وكان في يدي دملج وزنه ثمانون مثقالاً، فخلعته واغتسلت، فخرجت ونسيته، فقال رجل من الجماعة: هذا دملجك له معي منذ سنتين.

وحكى بعضهم أن شيخاً أتى سعيد بن مسلم، فكلمه في حاجة، فوضع زج عصاه على إصبع سعيد، حتى أدماه، فما تأوه سعيد لذلك ولا نهاه، فلما فارقه قيل لسعيد: لم صبرت على هذا ولم تعلمه؟ قال: خفت أن يعلم جنايته، فينقطع عن طلبه الذي جاء فيه.

وقال آخر: صاح رجل بيحيى بن خالد: يا أبا علي، متوسل بالله إليك أقعدني في دهليزك، وأحبر علي كل يوم ألف درهم، فقال: نعم، فأقعده وأجرى عليه النفقة كما ذكر ثلاثين يوماً، ثم انصرف، فقيل ليحيى: إنه انصرف، فقال: بمن توسل به، لو أقام حتى يموت لكان له كل يوم ألف درهم.

ودخل عمارة بن حمزة على المنصور، فجلس في مجلسه فقال رجل للمنصور: مظلوم، يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك؟ قال: عمارة ظلمني، وأخذ صنيعتي، فقال المنصور: قم يا عمارة؛ فاقعد مع خصمك، فقال عمارة: ما هو لي بخصم، قال: وكيف ذلك؟ قال عمارة: إن كانت الصنيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد وهبتها له، ولا أقوم من موضع شرفني به أمير المؤمنين.

وحكى أبو سهل الداري عمن حدثه عن الواقدي أنه قال: كان لي صديقان، أحدهما هاشمي، فكنا كنفس واحدة، فنالتني ضيقة شديدة، وحضر العيد، فقالت لي امرأتي: أما نحن في أنفسنا، فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا فلا صبر لهم، فقال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي بما حضر، فوجه لي كيساً مختوماً، وذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراره، حتى كتب لي صديقي الآخر يشكو إلي حاله فوجهت إليه الكيس بما فيه وخرجت إلى المسجد، فأقمت به الليل مختفياً من امرأتي، فبينا أنا كذلك إذ وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، وقال: أخبرني عما فعلته فيما وجهت إليه به، فعرفته الخبر، فقال: إنك وجهت إلي، وما أملك إلا ما بعثت إليك، ثم كتب إلى صديقي أسأله المواساة، فوجه إلي الكيس بخاتمي، قال: فاقتسمنا ألف درهم فيما بيننا ثلاثاً، فوصل الخبر إلى المأمون فدعاني، فشرحت له ما كان فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، ألفين لكل واحد، وللمرأة ألف.

<<  <   >  >>