للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وما حاجتك؟ قال: علي دين، قال: كم؟ قال: خمسون ألف درهم، فقضاها عنه، وأمر له بمثلها.

وزار إسماعيل بن خارجة صديق له، فلما كان بباب الدار وثب كلب فانصرف، وكتب إليه:

لو كنت أحمل خمراً حين زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار

لكن أتيت، وريح المسك يقدمني ... وعنبر الهند مصبوب على الساري

فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني ... وكان يعرف ريح الزق والنار

وكان جد خارجة خماراً.

ودخل أعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عن الفقهاء، فدل على ابن أبي ذيب، فأتى خلقته، فقال: أيكم الذيب؟ فقال: ما تريد؟ قال: أنت هو؟ قال: نعم، فسأله عن مسألة في الطلاق، فقال: ما أراك خانثاً، فولى الأعرابي وهو يقول:

أتيت ابن ذيب، أطلب الفقه عنده ... فطلق ليلى البت، بتت أنامله

أتترك في فقه ابن ذيب حليلتي ... وعند ابن ذيب أهله، وحلائله؟

وقدم عمر بن أبي ربيعة، فأقبل إليه الأحوص ونصيب، فجعلوا يتحدثون، ثم سألهما عن كثير عزة، فقال له نصيب: هو ها هنا قريب، فلو أرسلنا إليه، قال: هو أشد باساً من ذلك، قال: فاذهب بنا إليه، فألفوه في خيمة له، فوالله ما قام للقرش، ولا وسع له، فجلسوا إليه وتحدثوا ساعة، فالتفت كثير إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له: إنك لشاعر، لولا أنك تشبب بالمرأة وتدعها، وتشبب بنفسك، أخبرني عن قولك:

ثم اسبطرت تشتد في أثري ... تسأل أهل الطواف عن عمر

والله، لو وصفت بهذا هرة أهلك لكان كثيراً، ألا قلت كما قال هذا، يعني الأحوص:

أدور، ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم، ما درت حيث أدور

وما كنت زواراً، ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر، لابد أن سيزور

قال: فانكسر عمر بن أبي ربيعة، ودخلت الأحوص زهوة، ثم التفت إلى الأحوص وقال له: أخبرني عن قولك:

فإن تصلي أصلك، وإن تبيني ... بهجر بعد وصلك ما أبالي

والله، لو كنت حراً لباليت، ولو كسر أنفك، ألا قلت كما قال هذا الأسود وأشار إلى نصيب:

بزينب ألمم قبل أن ينزل الركب ... وقل: إن تملينا، فما ملك القلب

فانكسر الأحوص، ودخلت نصيباً زهوة، ثم التفت إلى نصيب، فقال: أخبرني عن قولك:

أهيم بدعد ما حييت، فإن أمت ... فوا كبدي من ذا يهيم بها بعدي

أهمك ويحك، من يفعل بها بعدك؟ فقال القوم: الله أكبر، استوت الفرق، قوموا بنا من عند هذا.

ودخل كثير على سكينة بنت الحسين فقالت له: يا ابن جمعة، أخبرني عن قولك في عزة:

وما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يحج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

ويحك، وهل في الأرض زنجية منتنة الإبطين، توقد بالمندل الرطب نارها، إلا طاب ريحها؟ ألا قلت كما قال عمك امرؤ القيس؟

ألم ترياني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً؛ وإن لم تطيب

وسهر عبد الملك بن مروان ذات ليلة، وعنده كثير عزة، فقال له: أنشدني بعض ما قلت في عزة، فأنشده حتى انتهى إلى هذا البيت:

هممت وهمت، ثم هابت وهبتها ... حياء، ومثلي بالحياء خليق

فقال له عبد الملك: أما والله، لولا بيت أنشدتنيه قبل هذا لحرمتك جائزتك قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنك أشركتها في الهيبة ثم استأثرت بالحياء دونها، قال: فأي بيت عفوت به عني يا أمير المؤمنين؟ قال: قولك:

دعوتني، لا أريد بها سواها ... دعوني هائماً، فيمن يهيم

ودعا الأعور بن سنان التغلبي الأخطل الشاعر إلى منزله، فأدخله بيتاً قد فرش بالفرش الشريفة، والوطاء العجيبة، وله امرأة تسمى برة، في غاية الحسن والجمال، فقال له: يا أبا مالك، إنك تدخل على الملوك في مجالسهم، فهل ترى في بيتي عيباً؟ قال: ما أرى في بيتك عيباً غيرك، قال: إنما ألوم نفسي؛ إذ كنت أدخل مثلك بيتي، اخرج عليك لعنة الله، فخرج الأخطل، وهو يقول:

وكيف يداويني الطبيب من الجوى ... وبرة عند الأعور بن سنان

ويلصق بطناً منتن الريح دائماً ... إلى بطن خود دائم الخفقان

<<  <   >  >>