عزيز تراءته العيون كأنما ... أضاءلها في عقب داجية فجر
ولو يبتدى في بضع عشرة ليلة ... من الشهر ما شك امرؤ أنه البدر
إذا انصرفت يوما بعطفيه لفتة ... أو اعترضت من لحظه نظرة شذر
رأيت هوى قلب بطيئا نزوعه ... وحاجة نفس ليس عن مثلها صبر
ومثلك أعطى مثله لم يضق به ... ذراعا ولم يحرج له أوبه صدر
تجاف لنا عنه فإنك واجد ... به ثمنا يغليه في مدحك الشعر
* * * واستهدى أبو تمام من محمد بن مالك بن طوق فرسا بشعر يقول فيه:
قالت ... وعى النساء كالخرس
وقد يصبن الفصوص في الخلس:
هل يرجعن غير خائب فرسا ... ذو سبب في ربيعة الفرس
كأنني قد زرت ساحتها ... بمسمح في قياده سلس
أحمر منها مثل السبيكة أو ... أحوى به كاللمى أو اللعس
أو أدهم فيه كمتة أمم ... كأنه قطعة من الغلس
فهو لدى الروع والجلائب ذو ... أعلى مندى وأسفل يبس
يكثر أن يستحم في الحر والقر حميما يزيد في النجس
* * * واستهدى أيضا من بعض آل المهلب بن أبى صفرة فروا بشعر يقول فيه:
دنا سفر والدار تنأى وتصقب ... وينسى سراه من يعافى ويصحب
وأيامنا خزر العيون عوابس ... إذا لم يخضها الحازم المتلبب
ولا بد من فرو إذا اجتابه امرؤ ... بدا وهو شات في الصنابر أغلب
يسرك بأسا وهو غر مغمر ... ويعتد للأيام حين يجرب
تظل البلاد ترتمى بضريبها ... وتشمل من أقطارها وهو يجنب
إذا البدن المقرور ألبسه غدا ... له راشح من تحته متصبب
إذا اعتد ذنبا ثقله منكب امرئ ... يقول الحشا إحسانه حين يذنب
يراه الشفيف المرثعن فينثنى ... حسيرا وتغشاه الصبا فتنكب
إذا ما أساءت بالثياب فقولها ... له كلما لاقته أهل ومرحب
إذا اليوم أمسى وهو غضبان لم يكن ... طويل مبالاة به حين حين يغضب
كأن حواشيه العلى وخصوره ... وما انحط منه جمرة تتلهب
فهل أنت مهديه بمثل شكيره ... من الشكر يعلو مصعدا ويصوب
فأنت العليم الطب أي وصية ... بها كان أوصى في الثياب "المهلب"
يريد بهذا البيت ما يروى أن المهلب بن أبي صفرة قال يوما لبنيه, وقد اجتمعوا عنده في أجمل اللباس, وأحسن الزي: "إن أحسن ما كانت ثيابكم غذ رآها الناس على غيركم".
* * * وحدثنا على بن العباس النوبختي قال: استهدى على بن العباس الرومي من أبى العباس بن بشر المرثدي لوزينجا عن مولود رزقه بشعر طويل أوله:
لا يخطئني منك لوزينج ... إذا بدا أعجب أو عجبا
لم تغلق الشهوة أبوابها ... إلا أبت زلفاه أن بحجبا
لو شاء أن يذهب في صخرة ... لسخر الطيب له مذهبا
يدور بالنفخة في جامه ... دورا ترى الدهن له لولبا
عاون فيه منظر مخبرا ... مستحسن ساعد مستعذبا
مستكثف الخبز ولكنه ... ارق جلدا من نسيم الصبا
كأنما قدت جلابيبه ... من أعين القطر إذا قببا
يخال من رقة خرشائه ... شارك في الأجنحة الجندبا
لو أنه صور من خبره ... أن يجعل لكان الواضح الأشنبا
من كل بيضاء يحب الفتى ... أن يجعل الكف له مركبا
ذيق له اللوز فلا مرة ... مرت على الذائق إلا أبى
وانتقد السكر نقاده ... وشاوروا في نقده المذهبا
فلا إذا العين رأته نبت ... ولا إذا الضرس علاه نبا
* * * قال: واستهدى من بعض إخوانه بخوانه بخورا بشعر أوله:
أبا على طلبت عيبك ما اسطعت فألفيت عيبك السرفا
يا أحسن الوجه والشمائل والأخلاق والخلق حيث ما انصرفا
عندي عليل أرد منته ... بطيب الطيب كلما ضعفا
فابعث بشيء من البخور له ... كبعض معروفك الذي سلفا
ولتك أنفاسه تشاكل ذك ... راك وحسبي بطيبها وكفى
من ندك الفاضل المفضل في الند على غيره إذا وصفا
ذاك الذي لو غدا يفاخره ... نسيم نور الرياض ما انتصفا
ولا يكن دخنة المعزم للعفريت من شم ريحها رعفا
لا تدخلن الجفاء في لطف ... فربما ألطف امرؤ فجفا