الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْجبَال أَن السَّفِينَة أَي سفينة نوح ترسو على وَاحِد مِنْهَا فتطاولت، وَبَقِي الجودي لم يَتَطَاوَل تواضعاً لله تَعَالَى فاستوت السَّفِينَة عَلَيْهِ وَبقيت عَلَيْهِ أعواده. وَقَالَ مُجَاهِد: تشامخت الْجبَال وتطاولت لِئَلَّا ينالها الْغَرق، فعلا المَاء فَوْقهَا خَمْسَة عشر ذِرَاعا، وتواضع الجودي فَلم يغرق ورست السَّفِينَة عَلَيْهِ. وَيُقَال: إِن الجودي من جبال الْجنَّة فَلهَذَا اسْتَوَت عَلَيْهِ. وَيُقَال أكْرم الله ثَلَاثَة جبال بِثَلَاثَة نفر: الجودي بِنوح، وطور سيناء بمُوسَى، وحراء بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره الْقُرْطُبِيّ. وَقَالَ: لما تواضع الجودي وخضع عز، وَلما ارْتَفع غَيره واستعلا ذل، وَهَذِه سنة الله فِي خلقه يرفع من يخشع وَيَضَع من ترفع. وَلَقَد أحسن الْقَائِل: وَإِذا تذللت الرّقاب تخضعاً ... منا إِلَيْك فعزها فِي ذلها وَمن ذَلِك قصَّة " الْقَصْوَاء " نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَت لَا تسبق فسبقها قعُود لأعرابي يَوْمًا، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:" إِن حَقًا على الله أَن لَا يرفع شَيْئا فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه ". انْتهى. وبحرم مَكَّة اثْنَا عشر ألف جبل ذكره الْأَزْرَقِيّ فِي الْجبَال، وَفِي أبي قبيس انْشَقَّ الْقَمَر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكره الْحَافِظ قطب الدّين الْحلَبِي؛ لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يرى نصفه على قعيقعان وَنصفه الآخر على أبي قبيس. وَذكر القطب أَن أَبَا نعيم الْحَافِظ روى بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس أَن ذَلِك يَعْنِي انْشِقَاق الْقَمَر لَيْلَة أَربع عشرَة فانشق الْقَمَر نِصْفَيْنِ نصفا على الصَّفَا وَنصفا على الْمَرْوَة. انْتهى. والصفا مَحْسُوب من أبي قبيس على مَا ذكره الْعلمَاء فَلَا يضاد مَا ذكره القطب من أَن نصف الْقَمَر على أبي قبيس. وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي ذَلِك خَبرا وَقَالَ: اجْتمع الْمُشْركُونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: إِن كنت صَادِقا فاشقق لنا الْقَمَر فرْقَتَيْن؛ نصف على أبي قبيس وَنصف على قعيقعان. فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:" إِن فعلت تؤمنون بِي ". قَالُوا: نعم. وَكَانَت تِلْكَ لَيْلَة بدر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه أَن يُعْطِيهِ مَا قَالُوا: فانشق الْقَمَر فرْقَتَيْن وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَادي الْمُشْركين: " يَا فلَان يَا فلَان، اشْهَدُوا ". وَأما كَون الانشقاق وَقع فِي أبي قبيس فِي الْموضع الَّذِي يَقُوله النَّاس