لِأَن الْإِسْلَام وَجه كَاف فِي نيل هَذِه الشَّفَاعَة وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلين يَصح هَذَا الْإِضْمَار، فَالْحَاصِل أَن أثر الزِّيَارَة إِمَّا الْوَفَاة على الْإِسْلَام مُطلقًا لكل زَائِره وَكفى بهَا نعْمَة، وَإِمَّا شَفَاعَة خَاصَّة بالزائر أخص من الشَّفَاعَة الْعَامَّة. وَقَوله: شَفَاعَتِي فِي الْإِضَافَة إِلَيْهِ تشريف لَهَا فَإِن الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالْمُؤمنِينَ يشفعون والزائر لقبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ نِسْبَة خَاصَّة مِنْهُ يشفع فِيهِ هُوَ بِنَفسِهِ والشفاعة تعظم بِعظم الشافع فَكَمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من غَيره كَذَلِك شَفَاعَته أفضل من شَفَاعَة غَيره. انْتهى كَلَام السُّبْكِيّ. وَمِنْهَا: أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْيَاهُ الله بعد مَوته حَيَاة تَامَّة واستمرت تِلْكَ الْحَيَاة إِلَى الْآن، وَهِي مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ويشاركه فِي ذَلِك جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالدَّلِيل على ذَلِك أُمُور أَحدهَا: قَوْله تَعَالَى: " وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ ". وَالشَّهَادَة حَاصِلَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أتم الْوُجُوه؛ لِأَنَّهُ شَهِيد الشُّهَدَاء، قَالَ الله تَعَالَى: " وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا ". وَإِن توهم أَن ذَلِك من خَصَائِص الْقَتْل، فقد حصل لَهُ ذَلِك أَيْضا من أَكلَة خَيْبَر، صرح ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ شَهِيدا. ثَانِيهَا: حَدِيث أنس يرفعهُ: " الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ ". وَفِي لفظ عِنْد الْبَيْهَقِيّ: " الْأَنْبِيَاء لَا يتركون فِي قُبُورهم بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَلَكنهُمْ يصلونَ بَين يَدي الله عز وَجل حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور ". ثَالِثهَا: حَدِيث أنس عِنْد مُسلم: " أتيت على مُوسَى لَيْلَة أسرِي بِي وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره ". رَابِعهَا: حَدِيث الْإِسْرَاء ورؤيته الْأَنْبِيَاء وَذكره لكل أحد أَنه على صُورَة كَذَا وبهيئة كَذَا ومستند إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور، وأمثال ذَلِك دَلَائِل قَاطِعَة على أَنهم أَحيَاء بأجسادهم. خَامِسهَا: حَدِيث أَوْس بن أَوْس " إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء ". وَفِيه دَلِيل وَاضح وَقد ذهب إِلَى مَا ذكرنَا دَلِيله وأوضحنا حجَّته جماعته من أهل الْعلم وصرحوا بِهِ، مِنْهُم الإِمَام الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute