للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تربة فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحافر دَابَّة. فغذا وصل بَاب الْمَسْجِد الشريف فَيدْخل من بَاب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَيقدم رجله الْيُمْنَى فِي الدُّخُول واليسرى فِي الْخُرُوج وَليقل مَا قدمْنَاهُ فِي دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام، وليدخل بخضوع وتذلل وأدب، حامداً لله تَعَالَى شاكراً لَهُ على نعْمَته عَلَيْهِ، وَاسْتحبَّ الْعلمَاء أَن يقْصد أول دُخُوله الرَّوْضَة المقدسة وَهِي بَين الْمِنْبَر والقبر الْمُقَدّس، فَيصَلي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِي مصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي الحفرة أَو فِي غَيره من الرَّوْضَة أَو من الْمَسْجِد، فَإِذا صلى التَّحِيَّة شكر الله تَعَالَى على مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ إتْمَام النِّعْمَة بقبوله زيارته. قَالَ الْكرْمَانِي: وَيسْجد بعد تَحِيَّة الْمَسْجِد سَجْدَة شكرا لله تَعَالَى على وُصُوله إِلَى تِلْكَ الْبقْعَة الشَّرِيفَة وَالرَّوْضَة المنيفة. وَفِي " الِاخْتِيَار ": يسْجد شكرا لله على مَا وَقفه، فَإِن خَافَ فَوت الْمَكْتُوبَة بَدَأَ بهَا وكفته عَن تَحِيَّة الْمَسْجِد، ثمَّ ينْهض إِلَى الْقَبْر الشريف الْمُقَدّس من نَاحيَة الْقبْلَة فيقف قبالة وَجهه الشريف. قَالَ رشيد الدّين: فيستدبر الْقبْلَة وَيسْتَقْبل المسمار الْفضة الَّذِي بجدار الْقَبْر الْمُقَدّس، على نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع من السارية الَّتِي هِيَ غربي رَأس الْقَبْر الشريف فِي زَاوِيَة جِدَاره. وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: يقف على نَحْو ثَلَاثَة أَذْرع من الْجِدَار وَيجْعَل الْقنْدِيل الْكَبِير على رَأسه، نَاظرا إِلَى الأَرْض غاض الطّرف فِي مقَام الهيبة والتعظيم والإجلال، فارغ الْقلب من علائق الدُّنْيَا، مستحضراً فِي نَفسه جلالة موقفه ومنزلة من هُوَ بِحَضْرَتِهِ، وَعلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحُضُورِهِ وقيامه وَسَلَامه، ويمثل صورته الشَّرِيفَة فِي حَيَاته مَوْضُوعا فِي لحده. واستدبار الْقبْلَة هُوَ الْمُسْتَحبّ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة. وَاخْتلفت عبارَة أَصْحَابنَا فِي ذَلِك: فَفِي مَنَاسِك الْفَارِسِي والكرماني عَن أبي اللَّيْث: يقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة مستدبر الْقَبْر الْمُقَدّس، وَيَضَع يَمِينه على شِمَاله كَمَا فِي الصَّلَاة وَهَذَا شَاذ، وَالصَّحِيح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ أَنه يقف عِنْد الرَّأْس الْمُقَدّس بِحَيْثُ يكون على يسَاره، وَيبعد عَن الْجِدَار قدر أَرْبَعَة أَذْرع، ثمَّ يَدُور إِلَى أَن يقف قبالة الْوَجْه الْمُقَدّس مستدبر الْقبْلَة، وَيُصلي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يسلم على أبي بكر وَعلي وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا. وروى الإِمَام أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي مُسْنده عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من السّنة أَن تَأتي قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل الْقبْلَة، وَتجْعَل ظهرك إِلَى الْقبْلَة وتستقبل الْقَبْر بِوَجْهِك ثمَّ تَقول: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَلَيْسَ من السّنة أَن يمس الْجِدَار أَو يقبله بل الْوُقُوف من الْبعد أقرب إِلَى الْإِحْرَام، وَمن الْآدَاب أَن

<<  <   >  >>