ومن المؤلفات المتميزة التي ظهرت (كتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة) للإمام الحافظ المؤرخ محمد بن محمود النجار البغدادي، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة للهجرة، الذي نعرضه في هذا المبحث.
وقبل الغوص في لجة هذا الكتاب النفيس، ألقي الضوء على العصر الذي ظهر فيه، والذي عاشه المؤلف، وأعرض بإيجاز أحواله السياسية، والاجتماعية، والعلمية.
أ - الحالة السياسية في عصر ابن النجار:
ضعفت الخلافة العباسية منذ أواسط القرن الخامس الهجري، وتسلط كبار الوزراء والعسكريين على مقاليد الأمور، وغدت الخلافة - بتعاظم نفوذ البويهيين ثم السلاجقة - عباءة دينية واسعة، لها مكانة دينية في النفوس، وسلطتها الفعلية محدودة جدًا، تزيد وتنقص بقدر قوة شخصية الخليفة واهتمامه بشؤون الحكم، وبراعته في تحجيم المتنفذين حوله.
وكانت الولايات في الدولة العباسية الممتدة تحت سيطرة الأمراء الذين يحكمونها، ومعظمهم ممن سيطر عليها بالقوة، ولم يجد الخليفة بدًا من إقراره، وكانت علاقتهم بالخليفة تتحدد بثلاثة أمور، هي: الخطبة للخليفة وولي عهده، وضرب السكة باسمه، وإرسال بعض المال والهدايا السنوية إليه، ولكنهم بعد ذلك يتصرفون على هواهم، ويشعلون الحروب ويطفئونها، ويغزون إمارات ويوادعون أخرى بأهوائهم وتطلعاتهم.
وفي القرن الأخير من عمر الدولة العباسية، كانت الأحداث الكبرى تعصف بها من كل جانب؛ الغزو الصليبي الذي اجتاح الشام وفلسطين