للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- ما وقع منه ص من استشارات فردية لبعض أصحابه، ففي بدر أخذ برأي الحباب بن المنذر وحده، وفي أسرى بدر أخذ برأي أبي بكر - رضي الله عنه -، وفي الخندق أخذ برأي سلمان الفارسي وحده، وفي الحديبية قبل بروك الناقة، أخذ برأي أبي بكر الصديق، وفي حادثة الإفك لم يستشر إلا أفرادا معدودين منهم علي وأسامة، قالوا: فهذه الحالات تثبت أن للأمير أن يستشير من شاء، ويأخذ من الآراء ما شاء، ويترك ما شاء، وأنه ليس مقيداً بالأغلبية.

الجواب من وجهين:

الأول: ليس في هذه الأمثلة ما يدل على إهدار استشارة الأغلبية:

- أما ما أشار به الحباب بن المنذر فيما يخص مكان نزول بدر، فقد كان رأياً من رجل خبير بالمنطقة، عارف بآبارها، فاستحسنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقع فيه خلاف ولا معارض لصوابه؛ ولذا مضى الصحابة مقتنعين به.

- ومثل ذلك يقال في رأي سلمان في حفر الخندق، ورأي الصديق في الحديبية.

- وأما رأي الصديق في أخذ الفداء من المشركين، فلم يكن هو رأيه، بل رأي جمهور الصحابة كما بينا سابقا.

- وأما استشارته علياً وأسامة في شان عائشة، وهل يطلقها أو يبقيها، بعد أن راج حديث الإفك مدة، وقبل أن ينزل القرآن بتبرئتها، فموضوع خاص ولهذا استشار - صلى الله عليه وسلم - خواصه

والمقربين منه، ولكل إنسان في مسائله الخاصة أن يستشير من شاء ويعمل بما شاء. (١)

الثاني: أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - خصوصيته فهو المؤيد بالوحي، المعصوم من الخطأ مع كونه أفضل الخلق وأكملهم عقلاً، وأسدهم نظراً، وأحكمهم تدبيراً، وهذه المنزلة لن تكون لأحد بعده، كما لم تكن لأحد قبله. ومن هنا ندرك فداحة غلط أولئك الذين يذهبون في قياس الأمراء على الرسول ويعطوا لأمرائهم ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - من التعظيم والتفويض في الحقوق والصلاحيات. (٢)

روى ابن عبد البر بسنده عن ابن شهاب: أن عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر: " أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصيباً؛ لأن الله كان يُريه، وإنما هو منا الظن والتكلف". (٣)


(١) المرجع السابق، ص ٤٩ - ٥٠. بتصرف.
(٢) قضية الأغلبية: الريسوني ص ٥١ - ٥٣. بتصرف.
(٣) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبر البر، ج ٦، ص ١٣٤.

<<  <   >  >>