للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى أبو عبيد أيضا بسنده عن عبد الله بن قيس أو عبد الله بن أبي قيس ـ شك أبو عبيد ـ قال: " قدم عمر الجابية فأراد قسم الأرضين بين المسلمين، فقال له معاذ: والله إذا ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون، فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسعهم أولهم وآخرهم "، وفي رواية: فصار عمر إلى قول معاذ ". (١)

فيتضح من خلال هذه الآثار أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - لم يمتنع عن قسمة الأراضي ابتداء وإنما استشار الصحابة وصار إلى قول علي، ومعاذ.

- أن هذا المذهب لم يكن مذهبه وإنما هو مذهب علي، ومعاذ.

- أنه كان يوجد من الصحابة من تبنى هذا الرأي ولم يكن قول أمير المؤمنين عمر وحده.

الثاني: أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - لما لم يصل مع المقاتلين وممثليهم إلى نتيجة متفق عليها، عرض الأمر للشورى.

قال أبو يوسف: " فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا، فأما عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، فكان رأيه أن تقسم لهم حقوقهم، ورأي علي، وطلحة، وابن عمر - رضي الله عنه - م، رأي عمر، فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم، فلما اجتمعوا، حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق خالفني من خالفني، ... ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب ينطق بالحق فو الله لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلا الحق، قالوا: قل تسمع يا أمير المؤمنين، قال: قد سمعت كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلماً، لئن كنت ظلمتهم شيئاً هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم، وأرضهم، وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئاً للمسلمين المقاتلة والذرية ولمن يأتي من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام: كالشام، والجزيرة، والكوفة، والبصرة، ومصر- لابد لها أن تشحن بالجيوش، وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟

فقالوا جميعاً: الرأي رأيك، فنعم ما قلت وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال، وتجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم". (٢)

ويتبين من خلال هذا السياق أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - لم يستبد برأيه، بل شاور المهاجرين والأنصار، وكان رأيه هو رأي جمهورهم الأعظم فكيف يقال أنه رأي عمر؟ (٣)


(١) الأوسط: ابن المنذر، ج ١١، ص ٣٤، برقم ٦٤٢٣. الأموال: أبو عبيد، ج ١، ص ٧٤ - ٧٥، برقم ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) الخراج: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، المطبعة السلفية: القاهرة، ط (٣) ١٣٨٢ هـ، ج ١، ص ٢٦، برقم ٦٧.
(٣) قضية الأغلبية: الريسوني، ص ٦٦.بتصرف.

<<  <   >  >>