للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الزهري: " فأخبرني أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه سمع خطبة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الآخرة حين جلس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك الغد من يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: " فتشهد عمر وأبو بكر صامت لا يتكلم، ثم قال: أما بعد فإني قلت أمس مقالة وأنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني كنت أرجوا أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا- يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد - صلى الله عليه وسلم - قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به، فاعتصموا به تهتدوا لما هدى الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثم أن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثاني اثنين وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر". (١)

ويتضح من خلال هذين الحديثين أن الصديق - رضي الله عنه - تم انتخابه مرتين، مرة من كبار الصحابة في السقيفة، والثانية في المسجد من عامة الناس؛ ليتحقق الرضا من عامة الصحابة ولتتم البيعة منهم جميعاً، وقد كان ذلك.

قال الغزالي: " لما بايع عمر أبا بكر - رضي الله عنه - ما انعقدت الإمامة له، لا بمجرد بيعته، ولكن؛ لتتابع الأيدي إلى البيعة بسبب مبادرته، ولو لم يبايعه غير عمر، وبقي كافة الخلق مخالفين، أو انقسموا انقساماً متكافئاً لا يتميز فيه غالب من مغلوب، لما انعقدت الإمامة .. ". (٢)

ويؤكد هذا المعنى ابن تيمية فيقول وإنما صار- أي أبو بكر- إماماً بمبايعة جمهور الصحابة الذين هو أهل القدرة والشوكة، ولم يضر تخلف سعد بن عبادة - رضي الله عنه -؛ لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان الذين بهما تحصل مصالح الإمامة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك". (٣)


(١) صحيح ابن حبان: كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب أصحابه، باب ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بعد أمره بالصلاة أبا بكر في علته أمر عليا بذلك رضي الله عنهما، ج ١٥، ص ٢٩٦، برقم ٦٨٧٥، مصنف عبد الرزاق ج ٥، ص ٤٣٧، برقم ٩٧٥٦، وقال الأرناؤوط حديث صحيح.
(٢) فضائح الباطنية: الغزالي، ص ١٧٧.
(٣) منهاج السنة النبوية: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، تح: محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ط (١) ١٤٠٦ هـ، ج ١، ص ٥٣٠.

<<  <   >  >>