للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن إسحاق (١): " وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس " أي أكثريتهم". (٢)

فكان لا بد أن يسمع منهم، فقال زعيمهم سعد بن معاذ: " والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصُبر في الحرب، صُدْقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله". (٣)

قال ابن إسحاق: فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال: " سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم" (٤).

الثاني: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه: " فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: " ما ترون في هؤلاء الأسارى؟

فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قلت: ... " لا والله ما أرى الذي رأى أبوبكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر- فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبوبكر ولم يهو ما قلت، فلما كان في الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبوبكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله أخبرني عن أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة وأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتى يُثْخِنَ فِي الأرْض} (٥). فأحل الله الغنيمة لهم ". (٦)


(١) هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، الحافظ الإخباري، ولد بالمدينة (٨٠ هـ)، ورأى أنس بن مالك وحدث عن جماعة من التابعين، أول من دون العلم بالمدينة، مات (١٥٠ هـ) - سير أعلام النبلاء: الذهبي، ج ١٣، ص ٤٤.
(٢) السيرة: ابن هشام، ج ٣، ص ١٦٢.
(٣) المرجع نفسه.
(٤) المرجع السابق، ج ٣، ص ١٦٢.
(٥) ((الأنفال (٦٧ - ٦٩).
(٦) ((صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، ج ٣، ص ١٣٨٣، برقم ١٧٦٣.

<<  <   >  >>