للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى: إلا أكاذيب مختلقة مفتعلة سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد (١).

تقول العرب: (أنت تَمْتني هذا القول)، أي: تختلقه. فالتمني: هو الكذب، تفعل من (مَنَى يَمْني) إذا قدَّر، لأن الكاذب يُقدَّر في نفسه الحديث ثم يقوله (٢).

كما أن (التمني) تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وذلك في الغالب يكون عن تخمين وظن، لذلك كان التمني كالمبدأ للكذب، فصح أن يعبر عن الكذب بالتمني (٣).

- وإلى هذا القول ذهب: ابن عباس رضي الله عنه، ومجاهد، وعبد الرحمن بن زيد.

وهو اختيار: الفراء، وأبو جعفر الطبري.

- وحجة هذا القول: قوله جل وعلا بعد ذلك: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:٧٨].

فأخبر جل وعلا أنهم يتمنون مايتمنون من الأكاذيب ظناً منهم لا يقينًا.

ولو كان معنى ذلك: أنهم (يتلونه) لم يكونوا ظانين. وكذلك لو كان معناه (يشتهونه).

لأن الذي يتلوه، إذا تدبره علمه، ولا يستحق بتركه التدبر لما قرأه، أن يقال عنه: إنه ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكاً في نفس ما يتلوه. ولم يكن اليهود شاكين في التوارة أنها من عند الله.

وكذا المتمني فإنه في حال تمنية موجود ما يتمناه، فغير جائز أن يقال: هو شاك فيما يتمناه.

فصح بذلك هذا القول وانتفى ماعداه (٤).

القول الثالث: أن المراد بقوله تعالى: {إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:٧٨] أي: يتمنون على الله الباطل، وما ليس لهم (٥).

وعلى هذا القول: تكون (إلا) بمعنى (لكن) استثناء منقطع.


(١) تفسير الزمخشري (١/ ٢٨٨).
(٢) انظر: لسان العرب (١٥/ ٢٩٥). والقاموس المحيط (١٧٢١).
(٣) المفردات للراغب (٤٧٥).
(٤) تفسير الطبري (١/ ٤١٩).
(٥) انظر: تفسير الطبري (١/ ٤١٨). وتفسير ابن كثير (١/ ١٢١).

<<  <   >  >>