للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى مصر لينوب عنه في حكمها، ويوماً بعد يوم استطاع ابن طولون توطيد قدمه في مصر والقضاء على مناوئيه حتى ضم إليها الشام وبرقة وجزءاً من العراق، حتى بلغ من قوته وبأسه أن استعان به الخليفة على أخيه، بل حتى خشي بأسه إمبراطور الروم.

وبقيام الدولة الطولونية في مصر عام أربعة وخمسين ومائتين، تبدلت الأحوال نحو الأفضل، وعادت للخلافة هيبتها في نفوس الناس، وقوي شأن الخلفاء وزادت سيطرتهم (١) ونجم عن ذلك استقرار سياسي، فتحسنت الأحوال الاقتصادية والعلمية وأفسح المجال لكثير من العلماء من العراق وفارس والحجاز والمغرب أن يأتوا مصر لينشروا علمهم ويأخذوا ما ليس عندهم (٢)، وهو الأمر الذي أفرز حركة علمية أفاد منها علماء مصر، ومنهم الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى.

واستمرت هذه القوة وذلك البأس لهذه الدولة الطولونية إلى أن سقطت سنة ٣٢٣ هـ علي يد محمد بن سليمان الكاتب قائد الخلفية المكتفي، فعادت مصر إلى عهد التبعية المطلقة للعباسيين ببغداد دار الخلافة آنذاك .. وبذلك عادت الاضطرابات إلى تلك البلاد لضعف الخلفاء وعجزهم عن المحافظة على سلطانهم، حتى استبد الجند ببعض أولئك الخلفاء، وكان الوضع هكذا إلى أن قامت الدولة الإخشيدية (٣) في سنة ٣٢٣ هـ.

ومما سبق يتضح أن الإمام الطحاوي قد عاصر تلك الدولة الطولونية من النشوء مروراً بالازدهار إلى السقوط وذهاب الريح. (٤)

- ثانياً: نشأ الإمام الطحاوي في أسرة معروفة بالعلم والتقى والصلاح، كما كانت ذات نفوذ ومنعة وقوة في صعيد مصر.


(١) الكامل في التاريخ (٦/ ١٩٥).
(٢) ظهر الإسلام (١/ ١٦١).
(٣) الدولة الإخشيدية معناها: دولة الملوك. (انظر: النجوم الزاهرة (٣/ ٢٥١).
(٤) انظر: الكامل في التاريخ (٥/ ٣٢٩) والبداية والنهاية (١٠/ ٣٦٤) والنجوم الزاهرة (٣/ ٢ - ١٤٣).

<<  <   >  >>