للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر: فسأل سائل عن المراد بقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] وقال: النسيان ليس مما يملكونه من أنفسهم، فكيف يسألون أن لا يؤاخذوا به؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن النسيان الذي لا يملكونه من أنفسهم هو: النسيان من الأشياء التي هي أضداد للذكر لها، فذلك مما لا يؤاخذون به، ومما لا يجوز منهم سؤالهم ربهم أن لا يؤاخذهم به، وأما النسيان المذكور في هذه الآية، فإنما هو الترك على العمد بذلك كقول الله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}] التوبة:٦٢] في معنى: تركوا الله فتركهم.

قال: فما المراد بقوله عز وجل حكاية: {أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] والخطأ فهم غير مأخوذين به، كما قال: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥]

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه: أن الخطأ الذي في الآية التي تلاها علينا الذي لا جناح فيه هو ضد ما يتعمدونه، كما قال عز وجل: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥] والخطأ الذي في الآية التي تلوناها نحن عليه: هو الخطأ الذي يفعله من يفعله على أنه به مخطئ في اختياره له، وفي قصده إليه، وفي عمله به، ومنه قيل: خَطِئْت في كذا - مهموز - أي: عملت كذا خطيئة، فذلك مما عامله مأخوذ به معاقب عليه، أو معفو له عنه إن كان مما يجوز أن يُعفى له عن مثله.

فبان بحمد الله أنهم رضوان الله عليهم سألوا ربهم عز وجل في موضع سؤال، وأنه عز وجل غفر لهم في شيئين، قد كان له عز وجل أخذهم بها وعقوبتهم عليها، وهو المحمود على فضله في ذلك عليهم ورحمته لهم، وإياه نسأله التوفيق.

(شرح مشكل الآثار -٤/ ٣١٨ - ٣١٩)

(وانظر: شرح مشكل الآثار -٦/ ٣٤٨ - ٣٥٠)

<<  <   >  >>