واحتمل أن يكون نزولها كان مرتين: مرة في السبب الذي ذكر عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر: أن نزولها كان فيه، ومرة في السبب الذي ذكر أنس أن نزولها فيه، فدخل على ذلك ما نفاه، لأنه لو كان ذلك كذلك لكانت موجودة في القرآن في موضعين، كما وجدت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية. في موضعين: أحدهما في سورة براءة [٧٣] والآخر في سورة التحريم [٩]، ولما لم يكن ذلك كذلك في الآية المتلوة في هذه الآثار، بطل هذا الاحتمال أيضاً.
واحتمل أن يكون نزلت قرآناً لواحد من السببين المذكورين في هذه الآثار، والله أعلم بذلك السبب أيهما هو؟ ثم أنزلت بعد ذلك للسبب الآخر، لا على أنها قرآن لاحق لما نزل فيه من القرآن، ولكن على إعلام الله تعالى نبيه عليه السلام بها أنه ليس له من الأمر شيء، وأن الأمور إلى الله تعالى وحده، يتوب على من يشاء، ويعذب من يشاء، ولم نجد من الاحتمالات لما في هذه الآثار أحسن من هذا الاحتمال، فهو أولاها عندنا بما قيل في احتمال نزول الآية المتلوة فيها بها، والله نسأله التوفيق.
(شرح مشكل الآثار -٢/ ٣٩ - ٤٤)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي الروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران:١٢٨]. نافياً أن تكون الآية نزلت في أكثر من سبب، أو لأكثر من مرة على أنها قرآن، ومرجحاً أن نزولها هو لأحد الأسباب المذكورة بدون تعيين له، ثم كان نزولها في المرة الأخرى لسبب آخر، لا على أنها قرآن مستقل بذاته عما قبله، ولكن على أنها تذكير وإعلام بشيء سبق إنزاله، وهو أنه ليس لنبي الله من الأمر شيء، وأن الأمور إلى الله وحده، يقضي فيها حسب مشيئته وإرادته.