للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر الطحاوي: والغايات للأشياء المذكورة منها ليست بأعيان، وقد وجدناها لا تدخل في الأشياء المذكورة بها، فمن ذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧]، والليل غير داخل في ذلك، ووجدناها تدخل فيها، ومن ذلك قوله عز وجل: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦]، وكانت المرافق والكعبان داخلة في ذلك، وفي هذا ما يدل على أنهم قد يدخلون ما يجعلونه غاية فيما قد جعلوه غاية له، وقد لا يدخلونه فيه.

(شرح مشكل الآثار-١٥/ ١٨٥).

الدراسة

بين الإمام الطحاوي أن (إلى) في قوله جل وعلا: {إِلَى الْمَرَافِقِ} وقوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦] دالة على دخول الغاية في الحكم المتقدم. وإليك بيان هذه المسألة:

إن (إلى) تفيد معنى الغاية مطلقاً، فأما دخولها في الحكم وخروجها منه فأمر يدور مع الدليل، ومن أظهر الأدلة في بيان ذلك: أنه إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه، وإن لم يكن من جنسه لم يدخل فيه.

١ - فمن الأمثلة على خروج الغاية من الحكم المتقدم:

قوله جل وعلا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠] لأن الإعسار علة الإنذار، وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان مُنظراً في كلتا الحالتين معسراً وموسراً.

وكقوله جل وعلا: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] لأن الليل ليس من جنس النهار، ولو دخل الليل في الغاية لوجب الوصال، وهو أمر غير وارد.

٢ - ومن الأمثلة على دخول الغاية في الحكم المتقدم:

قولك: (بعت هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف) لأن الطرف المتأخر من جنس الطرف المتقدم.

<<  <   >  >>