الترجيح: والراجح هو القول بأن عقوبة المحارب على الترتيب، لظهور أدلته وقوتها، ولكون القياس الجلى دال على صحته، لأن القتل العمد العدوان يوجب القتل فغلظ ذلك في المحارب وصار القتل حتماً لا يجوز العفو عنه. وأخذ المال يتعلق به القطع في غير المحارب، فغلظ ذلك في المحارب بقطع الطرفين.
وإن جمع لمحارب بين القتل وبين أخذ المال جمع في حقه بين القتل وبين الصلب، لأن بقاءه مصلوباً في ممر الطريق يكون سبباً لاشتهار إيقاع هذه العقوبة به، فيصير ذلك زاجراً لغيره عن الإقدام على مثل هذه المعصية.
وأما إن اقتصر المحارب على مجرد الإخافة، فتكون عقوبته أقل من عقوبة من تقدمه وهي النفي من الأرض. (١)
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قال أبو جعفر الطحاوي: فأجمعوا أن الله عز وجل لم يعن بذلك كل سارق، وأنه إنما عنى به خاصاً من السراق لمقدار من المال معلوم، فلا يدخل فيما قد أجمعوا عليه أن الله تعالى عنى به خاصاً، إلا ما قد أجمعوا أن الله تعالى عناه. وقد أجمعوا أن الله تعالى قد عنى سارق العشرة الدراهم، واختلفوا في سارق ما هو دونها: فقال قوم: هو ممن عنى الله تعالى، وقال قوم: ليس هو منهم. فلم يجز لنا - لما اختلفوا في ذلك - أن نشهد على الله تعالى أنه عنى ما لم يجمعوا أنه عناه. وجاز لنا أن نشهد فيما أجمعوا أن الله عناه، على الله عز وجل أنه عناه. فجعلنا سارق العشرة الدراهم فما فوقها، داخلاً في الآية فقطعناه بها، وجعلنا سارق ما دون العشرة، خارجاً من الآية، فلم نقطعه.