فقال قوم: في كتاب الله ما يدفع هذه الآثار التي رويتموها في هذا الباب في نفي من أهلكه أو مسخه أن لا يكون له نسل ولا عقب، وهو قوله عز وجل:{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ}[المائدة:٦٠] يريد من جعلها منهم، فذكر عز وجل أنه جعلهما من القوم الذين سخط عليهم ولعنهم، وذكر ذلك بالمعرفة لا بالنكرة، فكان ذلك على القردة والخنازير الموجودة المعقولة، لا على من سواها من قردة وخنازير، ولو كان ذلك على قردة وخنازير سوى القردة والخنازير الموجودة المعقولة، لكان: وجعل بينهم قردة وخنازير، على النكرة لا على المعرفة.
فكان جوابنا لهم في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه -: أنه قد يجوز أن يكون القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك مخلوقة على ما هي عليه كسائر الأشياء المخلوقة على ما هي عليه لا ممسوخة من خلق كانت عليه إلى قردة وخنازير، وكانت مما تناسل، ومما يُعقبُ كسائر المخلوقين سواها، ثم كان من الله جعله القردة والخنازير ممن سخط عليه من عباده الذين خرجوا عن أمره، واعتدوا عن عبادتهم التي تعبدهم بها إلى ما سواها، فمسخهم قردة وخنازير لا تناسل لها، ولا أعقاب لها، فكانت في الدنيا ما شاء الله عز وجل كونها فيها، ثم أفناها بلا أعقاب خلفتها، وبقيت القردة والخنازير التي كانت قبل ذلك، ولم يلحقها مسخ حَوَّلها عما خلقت عليه إلى ما هي عليه، فكان منها التناسل في حياتها، والإعقاب بعد موتها، فبان بحمد الله ونعمته احتمال ما حملنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لا يخالف ما في كتاب الله عز وجل مما يوهم هؤلاء الجاهلين أنه يخالفه. والله عز وجل نسأله التوفيق.