للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ- بأن الله جل وعلا قال في الآية الثانية: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال:٦٦] فلو كان حكم الآية الأولى ندباً لم يثقل على المكلفين. كما أن إبطال مشروعية المندوب لا يسمي تخفيفاً (١).

ب- أنه سواء كان حكم الآية الأولى فرضاً أو ندباً فإنه حكم شرعي على كل حال، وعليه فنسخه ممكن غير ممتنع، لأن الحكم إذا غير بعض أوصافه فجائز أن يقال له نسخ، لأنه حينئذ ليس بالأول وهو غيره. (٢)

٣ - أنه لا تعارض بين الآيتين حتى يقال بالنسخ، لأن الآية الثانية لم ترفع الحكم الوارد في الآية الأولى بدليل أنه لم يقل فيها (لا يقاتل الواحد العشرة)، بل إن قدر على ذلك فله الخيار في ذلك. (٣)

وقد رد هذا الاستدلال: بأن كلا الآيتين جاءت ببيان الحد الأعلى في وجوب الثبات، وعليه فبين حكم الآيتين تعارض لا يتحقق رفعه إلا بالقول بالنسخ المتحقق هنا، لأن الآية الأولى دلت على وجوب ثبات الواحد للعشرة، وهو ما ترفعه الآية الثانية الدالة على وجوب ثبات الواحد للاثنين. فالآية الثانية لم ترفع جواز ثبات الواحد للعشرة، وإنما رفعت وجوب ثبات الواحد للعشرة، مثبتة مكانه وجوب ثبات الواحد للاثنين. (٤)

٤ - أن الله جل وعلا قال في الآية الأولى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:٦٥] فدل هذا القيد (صابرون) على أنه ليس في الآية فرض، وإنما فيها الوعد بشريطة، فمتى وفي بالشرط أنجز الوعد، وعليه فثبات الواحد للعشرة غير مفروض، وإنما الصبر والثبات مفروض على قدر الإمكان، والناس مختلفون في ذلك على مقادير استطاعاتهم، فليس في الآية نسخ. (٥)


(١) تفسير ابن عاشور (١٠/ ٧٠).
(٢) تفسير ابن عطية (٨/ ١٠٩).
(٣) فتح المنان في نسخ القرآن (٣١١).
(٤) انظر: الواضح في أصول الفقه (١/ ٢٥٢) ومناهل العرفان (٢/ ٢٠٨).
(٥) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٠٦).

<<  <   >  >>