للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رد هذا الاستدلال: بأن المقصود بهذا القيد (صابرون): الحث على الصبر، وأنه ينبغي من المجاهدين أن يفعلوا الأسباب الموجبة لذلك، فإذا فعلوها صارت الأسباب الإيمانية، والأسباب المادية مبشرة بحصول ما أخبر الله به، من النصر لهذا العدد القليل (١).

فكان الصبر شرطاً في حصول النتيجة لا شرطاً في ابتداء الفعل، وعليه فهذا القيد لا دلالة فيه على عدم فرضية حكم الآية.

- القول الثاني: أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية.

- وهذا قول: جمهور المفسرين. (٢)

فالآية الأولى وهي قوله جل وعلا: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:٦٥] أفادت وجوب ثبات المقاتل الواحد لعشرة مقاتلين، ولما كان هذا الفرض ثقيلاً على المسلمين لضعفهم، خفف الله جل وعلا عنهم هذا الفرض بفرض آخر وهو: قوله جل وعلا في الآية الثانية: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال:٦٦] فأفادت هذه الآية رفع الحكم السابق، وإثبات حكم جديد وهو: وجوب ثبات المقاتل الواحد لاثنين من المقاتلين. وهذا هو النسخ، لأنه: رفع لحكم شرعي ثابت بحكم شرعي آخر، وهو من باب نسخ الأثقل بالأخف.

وبناء على هذا الحكم الجديد، فإنه إذا كان عدد المقاتلين المسلمين نصف عدد المقاتلين الكافرين، فإنه لا يجوز لهم أن يفروا منهم، وإن كان عددهم أقل من النصف جازلهم ذلك. (٣)


(١) تفسير السعدي (٣/ ١٨٩).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٠٦).
(٣) تفسير الطبري (٦/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>