قال أبو جعفر الطحاوي: قال ابن عباس: لما أسروا الأسارى، يعني في يوم بدر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر ما ترون في هؤلاء: الأُسَارى؟ " قال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله عز وجل أن يهديهم إلى الإسلام. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ترى يا ابن الخطاب؟ "، قال: فقال عمر: والله ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبيَّ الله، ولكن أرى أن تُمكِّنَّا منهم، فنضرب أعناقهم، وتمكِّنْ علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وتُمكِّني من فلان - نسيبٍ لعمر -، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها وقادتها، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أيِّ شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبكي للذي عَرَضَ عليَّ أصحابك من الفداء، لقد عُرِضَ عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة: - شجرة قريبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، - فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال:٦٧ - ٦٩] فأحل الله الغنيمة لهم. (١)
(١) أخرجه البيهقي في سننه -كتاب السير - باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم- (حـ ١٥ - ٩/ ٦٧). والإمام أحمد في مسنده (١/ ٣٠).