للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا معنى يجب على أهل العلم الوقوف عليه والعمل به، والحذر من الله في التقدم لأمره، لأن هذا الذي كان إنما كان من أهل بدر، أو ممن كان منهم، وهم الذين قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وما يدريك أن يكون الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (١)، فإذا جاز مع هذه الرتبة أن يلحقهم الوعيد، كان لمن سواهم ممن هو دون رتبتهم ألحق.

وأما ما قاله أهل العلم في المراد بقوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:٦٨]. فإنهم قد اختلفوا في ذلك السابق ما هو؟

فروي فيه عن ابن عباس: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:٦٨]. قال: سبقت لهم من الله عز وجل الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية.

قال أبو جعفر: فهذا وجه مما قد قيل في ذلك، وقد قيل فيه وجه آخر وهو عن الحسن في قوله عز وجل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال:٦٨]، قال: إن الله عز وجل كان مُطْعِمْ هذه الأمة الغنائم، وإنهم أخذوا الفداء من القوم يوم بدر قبل أن يؤمروا بذلك، فتاب الله عليهم، وعابه عليهم، ثم أحله لهم، وجعله غنيمة. وقد قيل فيه وجه آخر عن الحسن: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال:٦٨]، قال: المغفرة لأهل بدر.

وهذه التأويلات كلها محتملة لما تؤول ما تؤول عليها مما ذكرنا، والله أعلم بمراده، وبالله التوفيق.

(شرح مشكل الآثار - ٨/ ٣٥٩ - ٣٦٥)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الجهاد - باب: الجاسوس. (حـ ٢٨٤٥ - ٣/ ١٠٩٥).
ومسلم في صحيحه - كتاب: فضائل الصحابة - باب: فضائل أهل بدر. (حـ ٦٣٥١ - ١٥/ ٢٧٢).

<<  <   >  >>