للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه لم يرو عن واحدٍ من أصحاب النبي j أنه قال: إنما نزلت للاستثناء مما كان نزل قبلها، وإنما روي عنه منهما في سبب نزولها ما قد رويناه في ذلك في صدر هذا الباب، ولو كانت كلها نزلت معاً، لجاز أن يكون ذلك على الاستثناء فيكون النصب فيه أولى من الرفع، ولكنه إنما كان الذي نزل أولاً منها، هو قوله عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:٩٥] ونحن نحيط علماً أن الله عز وجل لم يعن القاعدين بالزمانة مع النية أنهم لو أطاقوا الجهاد لجاهدوا، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن المجاهدون أفضل منهم، لأنهم جاهدوا بقوتهم، وتخلف الآخرون عن الجهاد بعجزهم عنه. وقد قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (٩٢)} [التوبة:٩١ - ٩٢]، ثم أعلم بعد ذلك أن السبيل على خلاف هؤلاء بقوله عز وجل: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة:٩٣]، وقال عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:٦١] ومن حل الأمر على غير ما ذكرنا، كان قد قال قولاً عظيماً، ونسب الله عز وجل إلى أنه قد تعبد خلقه بما هم عاجزون عنه.

<<  <   >  >>