وعن إبراهيم، والحسن، والضحاك، وعطاء، ومجاهد، أنهم كانوا يقولون: الإمام مخير في ذلك، أي ذلك ما شاء فعل.
قال: فهذه الآثار كلها عن هؤلاء التابعين في تخير الإمام، وقد كان مالك بن أنس يذهب إلى هذا، فإلى قول من خالفت ذلك؟
قيل له: إلى قول عبد الله بن عباس: (إذا خرج الرجل محارباً، فأخاف السبيل وأخذ المال، قطعت يده ورجله من خلافٍ، وإن هو أخذ المال وقتل، قطعت يده ورجله من خلاف وصُلب، وإن هو قتل ولم يأخذ المال قُتِل، وإن هو أخاف السبيل ولم يأخذ المال نُفي).
وإلى هذا القول كان محمد بن الحسن وأبو يوسف يذهبان.
وأما أبو حنيفة فكان يقول: إذا أخذ المال وقتل، كان الإمام بالخيار: إن شاء قطع يده ورجله من خلافٍ، ثم قتله، وإن شاء قتله ولم يقطع يده ورجله من خلافٍ.
وأما ما حكيته عن مالك، فقد غلطت عليه فيه، لان مالكاً كان يستعمل التخير كما ذكرت ما لم يقتل أو يطول مكثه في المحاربة.
فإذا كان ذلك، كان حكمه أن يقتله، فقد عاد قوله بذلك إلى طائفة من قول الآخرين ممن يجعل الآية على المراتب لا على التخير.
فقال هذا القائل: فلم لم تجعل للإمام أن يقتل بالمحاربة إذا لم يصب أهلها القتل بظاهر الآية؟
قلت: لما قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يدفع ذلك.
كما .. عن أبي أمامه بن سهل، قال: كنت مع عثمان رضي الله عنه في الدار وهو محصور، فدخل يوماً لحاجة، ثم خرج، فقال: لم يقتلونني؟! فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ: رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس)، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا تمنيت لي بديني بدلاً مذ هداني الله عز وجل، فلم يقتلوني؟!).