للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩] (١)، وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} [يس: ١٢] (٢).

فقوله: (إنّا)، و (نحن) من المتشابه، فإنه يراد بها الواحد الذي معه غيره من جنسه، ويراد بها الواحد الذي معه أعوانه وإن لم يكونوا من جنسه، ويراد بها الواحد المعظم نفسه، الذي يقوم مقام من معه غيره لتنوع أسمائه التي كل اسم منها يقوم مقام مسمى، فصار هذا متشابهاً، لأن اللفظ واحد والمعنى متنوع، ولهذا تعلق به بعض النصارى على أن الآلهة ثلاثة، لأن هذا ضمير جمع، فتعلقوا بالمتشابه ولم يردوه إلى المحكم الذي يبين معناه، والذي لا اشتباه فيه، مثل قوله تعالى: {هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلَهُكُمْ} [البقرة: ١٦٣] (٣)، وقوله تعالى: {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥] (٤)، وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: ٩١] (٥)، فاتبعوا المتشابه ابتغاء الفتنة، ليفتنوا به الناس إذا وضعوه على غير مواضعه، وابتغاء تأويله، وهو الحقيقة التي أخبر عنها (٦).

ولا شك أنه يمتنع في حق الله تعالى أن يكون معنى (إنّا)، و (نحن)، للواحد الذي معه شركاء، فالله تعالى لا شريك له في ملكه ولا خلقه وتدبيره، وأما الذي له مماليك ومطيعون يطيعونه -كالملك- يقول: فعلنا كذا، أي: أنا فعلت وأهل ملكي بملكي، وكل ما سوى الله مخلوق له، مملوك له، وهو سبحانه يدبر أمر العالم بنفسه، وملائكته التي هي رسله في خلقه وأمره، وهو سبحانه أحق من قال: إنّا، ونحن، بهذا الاعتبار، فإن ما سواه ليس له ملك تام، ولا أمر مطاع طاعة تامة، فهو المستحق أن يقول: (إنّا)، و (نحن)، والملوك لهم شبه بهذا، فصار فيه أيضاً من المتشابه معنى آخر، ولكن الذي ينسب لله من هذا الاختصاص لا يماثله فيه شيء، وتأويل ذلك معرفة ملائكته وصفاتهم وأقدارهم، وكيف يدبر بهم أمر السماء والأرض، وقد قال تعالى: {مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} [المدثر: ٣١] (٧)، فهذا التأويل لهذا المتشابه لا يعلمه إلا هو، وإن علمنا تفسيره ومعناه، لكن لم نعلم تأويله الواقع في الخارج.


(١) سورة الحجر: ٩.
(٢) سورة يس: ١٢.
(٣) سورة البقرة: ١٦٣.
(٤) سورة الأنبياء الآية: ٢٥.
(٥) سورة المؤمنون: ٩١.
(٦) انظر: الإكليل في المتشابه والتأويل ١٣/ ٢٧٦، ٢٧٧، ضمن مجموع الفتاوى.
(٧) سورة المدثر الآية: ٣١.

<<  <   >  >>