للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقول من قال من السلف إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، وذلك مثل وقت قيام الساعة، ومجيء أشراطها، ومثل كيفية نفسه تعالى، وما أعده في الجنة لأوليائه، فهذا كلام صحيح، لأن هذه الأشياء مما اتفق المسلمون على أنها مما استأثر الله بعلمه (١).

وقد ذكر الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره بأن في القرآن ما لا يعلمه إلا الله، فقال: " ولا شك أن في القرآن أشياء لا يعلمها إلا الله، كحقيقة الروح، لأن الله تعالى يقول: {سَبِيلًا (٨٤) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ} [الإسراء: ٨٥] (٢)، وكمفاتيح الغيب التي نص على أنها لا يعلمها إلا هو، بقوله: {(٥٨) وَعِنْدَهُ} [الأنعام: ٥٩] (٣)، وكنعيم الجنة، كقوله تعالى: {نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا} [السجدة: ١٧] (٤) (٥).

فهذا الكلام ونحوه يمكن أن يفهم على معنى أن حقائق هذه الأشياء من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، لكن جعل حقائق هذه الأشياء أنفسها من المتشابه فيه إشكال من ناحية أن حقائق هذه الأشياء ليست فيها آيات منزلة، والله تعالى أخبرنا أن التشابه موجود في الآيات المنزلة نفسها، وذلك يقتضي أن الآيات المتشابهة معروفة، لكن لها تأويلاً لا يعمله إلا الله تعالى.

والذي ينبغي معرفته أن التشابه منه ما يكون تشابهاً ذاتياً في الآية نفسها، ومنه ما يكون تشابهاً نسبياً إضافياً، بحيث يشتبه على إنسان دون آخر، أو على طائفة دون أخرى.

فأما المتشابه في نفسه فهو ما كان محتملاً لأكثر من معنى، ولكن ينبغي أن يعلم أن هذا النوع من المتشابه لابد أن يوجد ما يزيل اشتباهه، ويبين معناه من سياق الكلام، والقرائن المتصلة بالخطاب، أو المنفصلة من الأدلة الأخرى (٦).


(١) انظر: المرجع السابق ١٧/ ٤١٩، الفرقان بين الحق والباطل ١٣/ ١٤٤ ضمن مجموع الفتاوى.
(٢) سورة الإسراء: ٨٥.
(٣) سورة الأنعام: ٥٩.
(٤) سورة السجدة الآية: ١٧.
(٥) أضواء البيان ١/ ٢٣٦، ٢٣٧.
(٦) تفسير سورة الإخلاص ١٧/ ٣٨٠ - ٣٨٥، ٣٨٦، ٣٨٩.

<<  <   >  >>