للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد رد أصحاب القول الأول - القائلون بأن المتشابه ما استأثر الله بعلمه، وأن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله- على ما أورده أصحاب القول الثاني من أنه يلزم على القول بأن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه ألا يكون بينهم وبين الجهال فرق، بأن هذا غير لازم، إذ إن لهم مزية بمعرفة غيره من الأحكام، كما أن لهم فضيلة على من لم يؤمن (١).

فرسخوهم في العلم هو الذي جعلهم ينتهون حيث انتهى علمهم، ويقولون فيما لا يقفوا على علم حقيقته من كلام الله جل وعلا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧]، بخلاف غير الراسخين فإنهم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله (٢).

وأجابوا عن قولهم بأن هذا يفضي إلى التعبد بالمجهول، وينافي وصف القرآن بكونه تبياناً لكل شيء، بالقول بأن هذا غير ممتنع، فقد تعبدنا الله بالإيمان بالملائكة -مثلاً- ونحن لا نعمل حقيقتهم، كما أن هذا لا ينافي وصف القرآن بأنه تبيان لكل شيء، فإن هذا مخصوص، كما قال تعالى عن بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] (٣)، ولم تؤت شيئاً مما يختص به الرجال، ولم تؤت شيئاً مما اختص به سليمان، وقوله في الريح: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٥] (٤)، ولم تدمر السماوات والأرض (٥).

والخلاصة في ذلك:

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة، لم ينزل به خطاباً، ولم يذكر في القرآن آية تدل على وقت الساعة، ونحن نعلم أن الله استأثر بأشياء لم يطلع عباده عليها، وإنما النزاع في كلام أنزله وأخبر أنه هدى وبيان وشفاء" (٦).


(١) انظر: العدة للقاضي أبي يعلى ٢/ ٦٩٣، إبطال التأويلات ص ١/ ٦٩.
(٢) انظر: أضواء البيان للشنقيطي ١/ ٢٣٥.
(٣) سورة النمل: ٢٣.
(٤) سورة الأحقاف: ٢٥.
(٥) انظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة ١/ ٣٩٠ - ٤٠١.
(٦) تفسير سورة الإخلاص ١٧/ ٣٩٧، ٣٩٧، ضمن مجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>