للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويمكن أن يمثل لذلك أيضاً بما ذكره الإمام أحمد في كتابه "الرد على الزنادقة والجهمية" وهو يتكلم عن جهم بن صفوان، قال: " وجد ثلاث آيات من المتشابه، قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] (١)، {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣] (٢)، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣] (٣)، فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله" (٤).

فكلام الإمام احمد يحتمل أنه أراد أنها من المتشابه عند الجهم، وإن كانت في ذاتها غير متشابهة، بل هي محكمة، ولذلك نجده في الكتاب نفسه يتكلم عن معنى قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] (٥)، وعن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣] (٦).

ويحتمل أنه لم يرد إلا المتشابه بنفسه الذي يلزمه التشابه، وأن الجهمية أولوه على غير تأويله الذي هو تأويله في نفس الأمر (٧).

والمقصود أن الاشتباه قد يكون ذاتياً ملازماً للنص، وقد يكون نسبياً يعرض لبعض الناس دون بعض، فقد يعرض لبعض الناس اشتباه في آيات محكمات وإن كان من المحكمات ما لا يلتبس ولا يشتبه معناه على أحد من الناس (٨).

وأما تأويل المتشابه، فإن لفظ التأويل قد يراد به التفسير والمعنى، وقد يراد به الحقيقة والمآل.

فإن أريد بالتأويل المعنى والتفسير، فتأويل المتشابه بهذا المعنى مما يعلمه الراسخون في العلم، لأن جميع القرآن محكمه ومتشابهه معلوم المعنى، ولم يقل أحد من السلف إن في القرآن آيات لا يعرف أحد معناها، بل هذا القول يجب القطع بأنه خطأ، كيف والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن مطلقاً ولم يستثن منه شيئاً لا يتدبر، ولا قال: لا تدبروا المتشابه، والتدبر بدون الفهم ممتنع.


(١) سورة الشورى: ١١.
(٢) سورة الأنعام الآية: ٣.
(٣) سورة الأنعام: ١٠٣.
(٤) الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد تحقيق علي النشار وعمار الطالبي ضمن عقائد السلف ص ٦٦، طبعة منشاة المعارف بالإسكندرية، عام ١٩٧١.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ٥٩.
(٦) انظر: المرجع السابق ص ٩٤.
(٧) انظر: تفسير سورة الإخلاص ١٧/ ٣٨٠ - ٣٨٣، ضمن مجموع الفتاوى.
(٨) انظر: الفرقان بين الحق والباطل ١٣/ ١٤٤، ضمن مجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>