للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونحو ذلك فعل الكرمي، فقال: " اعلم أن من المتشابهات آيات الصفات، التي التأويل فيها بعيد، فلا تؤول ولا تفسر، وجمهور أهل السنة، منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها" (١).

ثم استعرض جملة من الصفات، ورجح فيها مذهب التفويض (٢).

والمقصود أن جعل آيات الصفات من المتشابه قد قال به بعض من المتقدمين والمتأخرين.

وعند البحث عن السبب الذي جعل هؤلاء يقولون بهذا القول يُعلم أن أهم الدوافع التي آلت بهم إلى ذلك هو اعتقادهم أن الأخذ بظاهر تلك الصفات يؤول إلى تشبيه الخالق بالمخلوق، فهم في الحقيقة اعتقدوا أن ظاهر كلام الله كفر وضلال، فأطلقوا على تلك الآيات وصف المتشابه (٣).

والحق أنه لم يُعرف عن أحد من الصحابة قط أنه جعل آيات الصفات متشابهات لا يعلم معناها إلا الله تعالى، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم، وهم لا يتنازعون في شيء منها (٤)، بل قد فهموا معانيها، واعتقدوا ظاهرها.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "فمن قال عن جبريل ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، وعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين والجماعة: أنهم كانوا لا يعرفون شيئاً عن معاني هذه الآيات، بل استأثر الله بعلم معناها، كما استأثر بعلم وقت الساعة، وإنما كانوا يقرأون ألفاظاً لا يفهمون لها معنى، كما يقرأ الإنسان كلاماً لا يفهم منه شيئاً، فقد كذب على القوم، والنقول المتواترة عنهم تدل على نقيض هذا، وأنهم كانوا يفهمون هذا كما يفهمون غيره من القرآن" (٥).


(١) أقاويل الثقات ص ٦٠.
(٢) انظر: المصدر السابق ص ٦٦ - ٧٧.
(٣) انظر: أساس التقديس ص ١٠٥، الرسالة التدمرية، ضمن مجموع الفتاوى ٢/ ٤٣، البرهان للزركشي ٢/ ٧٨.
(٤) انظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم تحقيق علي الدخيل الله ١/ ٢١٣، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثالثة.
(٥) تفسير سورة الإخلاص ١٧/ ٤٢٥، ضمن مجموع الفتاوى، وانظر: الإكليل، ضمن مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٩٤، ٢٩٥.

<<  <   >  >>