للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والخلاصة يقال: لا شك أن في بعض نصوص الصفات تشابهاً واشتباهاً، ومن ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] (١).

فإنه قد قال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤] (٢)، وقال: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: ٢٩] (٣)، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: ٢٨] (٤).

فهذا الاستواء كله يتضمن حاجة المستوي إلى المستوى عليه، وأنه لو عدم من تحته لخر، والله تعالى غني عن العرش، وعن كل شيء، بل هو سبحانه بقدرته يحمل العرش وحملة العرش.

فصار لفظ الاستواء متشابهاً يلزمه في حق المخلوقين معاني ينزه الله عنها، فنحن نعلم معناه، وأنه العلو والارتفاع، لكن لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب التي يكون بها مستوياً من غير افتقار منه إلى العرش، بل مع حاجة العرش، وكل شيء محتاج إليه من كل وجه، وأنا لم نعهد في الموجودات ما يستوي على غيره مع غناه عنه، وحاجة ذلك المستوى عليه إلى المستوي، فصار متشابهاً من هذا الوجه، فإن بين اللفظين والمعنيين قدراً مشتركاً وبينهما قدراً فارقاً، هو مراد في كل منهما (٥).

ولكن وجود الاشتباه في لفظ الاستواء لا ينفي علمنا بمعناه المراد، وقطعنا بعدم مماثلته لاستواء المخلوقين الذي يلزم منه احتياج المستوي للمستوى عليه.

بل إن جميع نصوص الصفات التي يقال فيها إنها من المتشابه لابد أن تكون معانيها معلومة لنا، وإن كنا نجهل حقائقها وكيفياتها.

ومنشأ الإشكال والخطأ عند من جعل نصوص الصفات من المتشابه من أهل الكلام، ومن وافقهم، أنهم جعلوا المتشابه مجهول المعنى، فإذا قالوا إن نصوص الصفات من المتشابه، فإنهم يعنون بذلك أنها مجهولة المعنى، ولا يفهم منها شيء معين.


(١) سورة الأعراف: ٥٤.
(٢) سورة هود: ٤٤.
(٣) سورة الفتح: ٢٩.
(٤) سورة المؤمنون: ٢٨.
(٥) انظر: تفسير سورة الإخلاص ١٧/ ٣٧٩.

<<  <   >  >>